لا يا سيادة الرئيس..
سيادة الرئيس
استمعت إلى خطابكم مساء الثلاثاء 28 ديسمبر 2010 بكثير من الاهتمام كغيري من المواطنين والمتابعين. وإذا كنت أوافقكم في عديد النقاط التي وردت فيه، إلاّ أني أرى أنه أغفل التعرض إلى مسائل هامة:
أوّلا: أن المظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء البلاد منذ انطلاقها في سيدي بوزيد، ربطت المطالبة بالحق في التنمية العادلة والشغل بالتنديد بالفساد الذي لا تخفاكم ككل التونسيين رموزه، واستشرى إلى درجة أن رائحته أصبحت تزكم الأنوف.
ثانيا: تتحمل الإدارة وخاصة الراجعة منها بالنظر إلى وزارة الداخلية جزءا كبيرا من المسؤولية في ما آلت إليه الأحداث. وهي نتيجة طبيعية للطريقة المعتمدة في تعيين العمد والمعتمدين والولاة وهم العمود الفقري للدولة. حيث أدى اعتماد مبدإ الولاء الحزبي والتزلف على حساب الكفاءة والتخصص إلى إغراق هذا السلك الحيوي والحساس بالعناصر غير الكفؤة.
ثالثا: فشل سياسة الإعلام الرسمي والتابع التي تميزت بالتعتيم على الأحداث خاصة في بداية الأزمة، وفي المقابل بث أخبار مستفزة تتناقض مع واقع الغليان الذي تعيشه البلاد وتزيد في إشعاله. وتلك محصلة طبيعية لإسناد مسؤولية الإشراف على القطاع إلى عناصر لم تعرف في مسارها المهني غير الدعاية والتعاطي مع الإعلام المأجور وشراء الشهادات المدفوعة الثمن. فضلا عن التمسك بسياسة تخوين أصحاب الرأي المخالف وثلبهم والتشهير بهم في صحافة المجاري التي تحظى بالحصانة الكاملة ويتم إغراقها بالإشهار العمومي والصرف عليها من أموال دافعي الضرائب.
رابعا: لا يختلف عاقلان في نبذ استعمال العنف والتظاهر خارج الأطر القانونية. لكن التظاهر السلمي ثقافة تكتسب بالممارسة، وقد وقف بعض مسؤولي وزارة الداخلية عائقا ضد تطور هذه الممارسة الحضارية وضد تنمية الحس المدني. وذلك بسبب دوسهم المتغطرس على الحقوق الدستورية ومنعهم التعسفي لكل أشكال التظاهر السلمي المحترم للتراتيب القانونية. فضلا عن مصادرتهم لحق التونسيين في التعبير الحر من خلال تصديهم غير القانوني للحق في إصدار الصحف والمجلات، والمصادرة المقنعة للرأي المخالف مثلما حصل في نهاية الأسبوع المنقضي مع صحيفتي الموقف والطريق الجديد. فضلا عن مصادرة الحق في التنظم عبر تكوين الجمعيات والأحزاب المستقلة، والتزييف من خلال اعتماد عناصر معارضة ديكورية مشوهة، أصبحت أضحوكة التونسيين والعالم. وهي سياسة تزيد من الاحتقان وتدفع إلى التطرف.
وعندما تدعون إلى تطبيق القانون بحزم، نطالبكم بأن تبدأوا بفرض احترامه من قبل المكلفين بإنفاذه خاصة في وزارة الداخلية، ومحاسبتهم على مخالفته حسابا عسيرا كي لا يكون أحد كائنا من يكون فوق القانون. حتى يكون القانون عقدا اجتماعيا بين المواطن والماسك بتفويض منه بجهاز السلطة، وليس مجرد عصا غليظة لضرب المخالفين. فهكذا نفهم دولة القانون والمؤسسات، وهكذا نريد لها أن تكون.
سيادة الرئيس
لقد خلّفت لفتتكم الكريمة بزيارة العزيز محمد البوعزيزي في المستشفى واستقبال العائلات المفجوعة في أبنائها، ومنهم من تعرض فقيدها للنهش وتشويه العرض بناء على مادة صدرت من الجهة المختصة ونشرتها صحف العار، الأثر الطيب في نفسي وفي نفوس عديد المواطنين. وألاحظ في هذا السياق بأن والي سيدي بوزيد ومعتمديها وعمدها وحتى السيد وزير الداخلية، لم يكلفوا أنفسهم عناء القيام بمبادرة من هذا النوع ترفع عن هذه العائلات مرارة الإحساس بالظلم والغبن والقهر والمهانة. وإذا كان البدء في اتخاذ إجراءات لمحاسبة أعوان التراتيب وكاتب عام بلدية سيدي بوزيد خطوة في الطريق الصحيح، فيجب أن لا يكون ذلك على حساب تتبع من هم أعلى منهم مرتبة في السلم الإداري دون أن يكونوا أقل منهم تحملا لمسؤولية تطور الأحداث ووصولها إلى ما آلت إليه. ولا يستثنى من ذلك السيد رفيق الحاج قاسم وزير الداخلية والتنمية المحلية الذي أثبت فشلا ذريعا في إدارة الملفين الأمني والتنموي، وفي إسناد المسؤوليات الحساسة لأشخاص غير مؤهلين.
وننتظر من سيادتكم الدعوة إلى سنّ قانون ينظم إسناد المسؤوليات خاصة في سلك المعتمدين والمعتمدين الأُول والولاة. ليكون سلكا إداريا جمهوريا غير حزبي، يؤتمن على تنفيذ القانون وحماية قيم الجمهورية ومبادئها أيّا كان الماسك بدفة الحكم. وينتدب أعضاؤه من بين خريجي المدرسة الوطنية للإدارة المتخصصين والمؤهلين.
سيادة الرئيس
أنا مواطن من طلع هذه الأرض الكريمة الطيبة الشامخة بتاريخها ورجالها. تعلمت في مدرستها الجمهورية أن أكون مواطنا حرّا وسيّدا في بلدي، لا أخشى في قولة الحق لومة لائم. لقد كان مشهد الجماهير الهادرة المطالبة بالكرامة والحرية والهاتفة بنشيدنا الوطني نشيد الثورة في كل المظاهرات التي عمّت ربوع تونسنا العزيزة رائعا. وحدهم الأحرار يشكلون درع الوطن وسوره، أما ثقافة القطيع فلا يمكنها إلاّ أن تنتج شعبا ذليلا خاضعا. وإذ نتمسك بالمطالبة بحقوقنا الدستورية فليس فقط لكونها حقا لنا غير قابل للمساومة والتفريط، بل وكذلك لأنها أمانة في أعناقنا أنتجتها تضحيات أجيال مناضلة وعمّدتها دماء الشهداء الأكرم منا جميعا. فلا عاش في تونس من خانها ولا عاش من ليس من جندها، نموت ونحيا على عهدها حياة الكرام وموت العظام.. حياة الكرام وموت العظام.. حياة الكرام وموت العظام..
تحيا تونس
تحيا الجمهورية
زياد الهاني/صحفي ومدوّن يغالب الحجب
ملاحظة: بين أيديكم النسخة الخامسة بعد المئة من مدونة "صحفي تونسي"، بعد أن قام الرقيب الالكتروني بحجب النسخة الـ104 السابقة، بصورة غير قانونية في تونس، إثر نشر نداء للصحفيات والصحفيين للاجتماع على الساعة الواحدة من بعد زوال يوم الأربعاء 29 ديسمبر 2010 بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لتحديد موقف من الأحداث الجارية في سيدي بوزيد وغيرها من المدن المتضامنة