jeudi 9 mai 2013

بوضوح: لتجنّب «السياحة الحزبية» في البرلمان... الدوائر الانتخابية الفردية هي الحلّ


بوضوح
لتجنّب «السياحة الحزبية» في البرلمان
الدوائر الانتخابية الفردية هي الحلّ...


بقلم زياد الهاني


عديدة هي المناسبات التي تم خلالها طرح موضوع «السياحة الحزبية» في المجلس التشريعي، وانقسم الخائضون في هذا الشأن بين مطالب بالتصدي لهذه الظاهرة وبين غاضّ للطرف عنها، وكل له من المؤيدات ما يدعم به وجهة نظره. وتتمثل السياحة الحزبية في تنقل عضو المجلس التشريعي من كتلة نيابية الى أخرى أو من حزب الى آخر دون ارتباط منه بموقف القائمة الأصلية التي ترشح ضمنها وأوصلته الى مقعده النيابي.تابعنا في المجلس التأسيسي الحالي كيف أن عديد النواب من القائمات «الفقيرة» تم استقطابهم من قبل قائمات «غنية». رأينا كيف أن رجل اعمال هو أقرب الى الأمية منه الى التعلم، تمكن من «شراء» مجموعة نيابية رغم أن هذا الشخص لم ينجح في الوصول الى قصر باردو خلال الانتخابات الأخيرة!؟ رأينا كذلك نوابا ينشقون عن كتلهم الحزبية وينضمون الى كتل حزبية أخرى بعد أن خذلتهم أحزابهم وتنكرت للأهداف التي التفوا حولها وتعاهدوا على تحقيقها، لكن تنقلهم كان على أساس مبدئي لأنهم انضموا الى الكتل الأكثر تعبيرا عن قناعتهم التي لم يبدّلوها.
فالقول بجواز تنقل بين الكتل كما يشاء وانفصاله على القائمة التي رشحه الناخبون على أساسها يطرح إشكالية إمكانية تحويل المجلس النيابي إلى سوق تباع فيه  كراسي النفوذ لمن يدفع أكثر، ويصبح النائب  تبعا لذلك عبدا لمن دفع له الثمن الأعلى وخادما لمصالحه على حساب مصالح الشعب. لكن القول بمنع تنقل النواب يطرح بدوره اشكالية ارتهان نواب الشعب في وعاء مصالح حزبية ضيقة تجعل النائب مكبلا، خاصة عندما يتنكر حزبه لتعهداته والتزاماته الانتخابية.
ومن هنا يتوضح أن الاشكالية الأساسية ليست في بقاء النائب في كتلته أو خروجه منها، ولكن في كيفية حفاظه على مصداقيته وعدم خيانته للناخبين الذين صوتوا له وللمبادئ التي عاهدهم عليها. لذلك يعتبر نظام الدوائر الفردية في الانتخابات هو النظام الأفضل لأنه يجعل النائب ملزما باحترام التزاماته تجاه ناخبي دائرته، لأن عدم احترام الالتزامات سيؤدي ضرورة الى عدم تجديد الثقة في الانتخابات الموالية.
كما أن نظام الدوائر الفردية التي تكون على مستوى المعتمديات وليس على مستوى الولايات، يجعل الناخبين أكثر قدرة على التعرف على المرشحين والتصويت للأفضل من بينهم. خلافا لنظام القائمات التي قد تحتوي الواحدة منها على اسم معروف جدير بتحمل المسؤولية، لكنها تسمح بأن  يتسرب الى جانبه للمجلس التشريعي من هم أدنى منه قيمة.
ولا يخفى على المتابعين للشأن السياسي في بلادنا ضحالة مستوى العديد من النواب في المجلس التأسيسي وضعف أدائهم. هؤلاء ما كان لهم أن يرتقوا الى المقاعد التي يحتلونها في قصر باردو لو تم التصويت بشكل فردي على أشخاصهم. لكن التصويت على القائمات والانضباط الحزبي هو الذي مكنهم من احتلال مواقع قرار لا يستحقونها.
المطلوب من النائب كما في القسم الذي يؤديه، هو أن يعمل باخلاص في خدمة الوطن. وحتى لا ينعزل عن ناخبي دائرته ولا يحوّل موقفه السياسي الى تجارة يخدم بها مصالحه على حساب المصالح مبدلا ارتباطاته بتبدل راعيها، قد يكون اعتماد نظام الدوائر الفردية في الانتخابات هو الأفضل حتى يكون للمجلس التشريعي دور وتمثيلية ومعنى.

المصدر : جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم السبت 4 ماي 2013





بوضوح: وزارة الداخلية والثورة الهادئة



بوضوح

وزارة الداخلية والثورة الهادئة

بقلم زياد الهاني

 
وأنا أطرق أبواب الخمسين من عمري، لا أظنني عشت يوما واحدا من قبل شهدَت فيه قوات الأمن من حرس وشرطة إجماعا حولها والتفافا شعبيا منقطع النظير مثلما هو الحال اليوم.
لا شك أن التصدي المباشر للإرهاب في جبل الشعانبي وما قدمته هذه القوات ومعها جيشنا الوطني من تضحيات، مثّل دافعا قويا للتعاطف المشهود. لكن من الثابت كذلك أن رياح تغيير هادئ بدأت تهبّ على وزارة الداخلية وتسمح لها بتشكيل صورة مختلفة لها في أذهان المواطنين ووجدانهم، وهي التي كانت عنوانا للبطش والاستبداد.
البداية كانت مع النقابات الأمنية التي نجحت في خلق حالة من التعاطف مع أعوان الأمن من خلال التركيز على معاناتهم ووجههم الإنساني، وهويتهم المطموسة باعتبارهم جزءا من الشعب الفقير وحلقاته الاجتماعية المكافحة من أجل لقمة العيش البسيطة.
ثم جاء تعيين القاضي السيد لطفي بن جدّو على رأس وزارة الداخلية ليعمق مشاعر المواطنين بالثقة في الرجل القادم من القصرين أحد مهاد الثورة وقلاعها، وهو الذي كان له في هذا السياق صولات وجولات بمجال عمله القضائي. فهذا الرجل بهدوئه الواثق وملامحه المريحة وتدخلاته المختصرة المختزلة للكثير من الصدق والعفوية، نزّل نفسه قريبا من قلوب الناس.
التقيت يوم السبت رفقة زميلي محسن عبد الرحمن رئيس صندوق التآزر بين الصحفيين التونسيين بالوزير بن جدّو لمدة فاقت الساعة. ووجدنا عنده من دماثة الأخلاق والثقة في النفس والعزم على إنجاز التغييرات المستحقة ما جعلنا نخرج من عنده بكثير من الاطمئنان، رغم ضخامة التحديات وصعوبة المرحلة.
والقاضي لطفي بن جدّو الذي يقود ثورة هادئة في وزارة الداخلية التي تعتبر موقع القرار الأكثر صعوبة وحساسية، كان واعيا بأن تونس تحتاج مؤسسة قوية تصرف قوّتها في إشاعة الأمن والأمان وحماية البلاد، دون ظلم ولا انحراف.
وجدت الرجل مدركا بأن قوة وزارته تستمد أساسا من النأي بها عن التجاذبات والاختراقات، لتلعب دورها الوطني خالصا بعيدا عن التأثيرات السياسية والجهوية والمالية وغيرها. وجدته مهتما بتحسين أوضاع العاملين في مؤسسته وتوفير ظروف عمل لهم تستجيب للمعايير الدولية، حتى يتمكنوا من النجاح في مهامهم والقيام بواجبهم محفوظي الكرامة والحقوق.
حدثنا الوزير عن تعاونه مع نقابات الأمنيين الذين عليهم في تقديري بذل مزيد الجهد للتوحد والتغلب على خلافاتهم. حدثنا عن مشاريع القوانين التي قدمها والتي سيحقق اعتمادها نقلة نوعية في عمل الوزارة. حدثنا بكل فخر عن قدرات قواته وهو ما لمسه بنفسه عند زيارته لعدد من الثكنات. حدثنا عن إصرار هذه القوات على أداء واجبها على أكمل وجه، رغم كونها تحمل من الأعباء ما يفوق الطاقة العادية للاحتمال.
لكن الوزير حدثنا أيضا عن العمليات الجارية في جبل الشعانبي، لافتا نظرنا إلى أن قواتنا من جيش وأمن أخذت بزمام المبادرة ولم تصطدم بالإرهابيين عرضا أو دفاعا، بل هي التي صعدت إليهم متعقبة لهم حتى تقطع دابر شرهم. وغير ذلك من التفاصيل التي لا يسمح المجال بنشرها.
ما زاد من احترامي للوزير هو أنه خلال كامل اللقاء معه لم يتطرق ولو للحظة واحدة للخصومة القضائية الجارية بيني وبين وزارته، بعد الشكوى التي رفعها ضدي سلفه علي العريض...
خرجت مطمئنا من مقابلتي مع الوزير القاضي أو القاضي الوزير لطفي بن جدّو الذي دعا منظوريه إلى فتح أبواب وزارته أمام الصحفيين دون تحفظ، وهي التي كانت عبارة عن صندوق ترهيب أسود. ولا أغفل في هذا السياق الإشارة إلى نجاح الناطق الرسمي الجديد باسم الوزارة الرائد محمد علي العروي في رسم صورة جديدة للوزارة تجعلها أكثر قربا من الناس واحتراما من قبلهم.
هذه هي انطباعاتي الأولى، وكلّ رجائي أن لا تخيب...
 
المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الثلاثاء 7 ماي 2013