mardi 5 janvier 2010

تناول أزمة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين : الزميل صالح عطية يكتب في "الصباح" عن حصاد 2009 في تونس





حصاد 2009 في تونس



محطات سياسية بارزة.. إعلام يبحث عن نفسه.. و«تسونامي» الأنفلونزا



لم يكن العام 2009 الذي ودعناه منذ يومين، عامًا عاديًا بكل المقاييس، فقد شهد جملة من الأحداث الهامة، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، شكلت عناوين لسنة يصفها البعض بـ»الاستثنائية«، وينعتها البعض الآخر بـ»المحبطة«، فيما اعتبرها آخرون سنة صعبة لكنها لم تخل من بعض المنجزات البارزة، رغم وعورة الطريق التي جعلت الأرجل تتنقل بثقل كبير وبطء أكبر.. محطات سياسية رئيسية
في المجال السياسي، شهدت البلاد ثلاث محطات لافتة، ميّزت العام المنقضي، ويمكن اختزالها في النقاط التالية:

ـ تعديل المجلة الانتخابية باتجاه الترفيع في عدد مقاعد أحزاب المعارضة في مجلس النواب إلى 25 بالمائة، بعد أن كانت النسبة في حدود 20 بالمائة فحسب..إلى جانب التخفيض في سنّ الاقتراع إلى 18 عامًا، في سياق دعم حضور الشباب ومشاركته السياسية في المجتمع..

ـ إحيــــاء الذكرى الخمسين لإعلان الدستور في تونس (جوان2009 )، وهو حدث يعكس السبق التونسي في المجال العربي، ومن شأنه التأكيد على أهمية الدستور في تنظيم المجتمع والدولة، وعلى مستوى الثقافة السائدة في البلاد..

ـ شهدت البلاد انتخابات رئاسية وتشريعية خلال شهر أكتوبر الماضي، أفرزت فوز مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي، الرئيس زين العابدين بن علي، بأغلبية شعبية ناهزت التسعين بالمائة من عدد الناخبين، في انتخابات رئاسية تعددية هي الثالثة من نوعها منذ عشرين عاما.. ونافس الرئيس بن علي في هذه الانتخابات ثلاثة رموز من أحزاب المعارضة، فيما تقدمت ثمانية أحزاب ولفيف من المستقلين إلى الاستحقاقات البرلمانية، التي فازت فيها حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بالنسبة الأوفر من المقاعد المخصصة للمعارضة في البرلمان..
ورغم الجدل الذي أعقب الانتخابات التشريعية، إلا أنها شكلت محطة مهمة على مستوى تدريب المجتمع والنخب والأحزاب والمجتمع المدني على آليات الانتخاب التي تعدّ لبّ العملية الديمقراطية .. ومكنت حصيلة الانتخابات، ثلاثة أحزاب من تشكيل كتل برلمانية، وهي التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم)، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وحزب الوحدة الشعبية..

خلافات حزبية

وبالإضافة إلى مؤتمر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي التأم في شهر ماي الماضي، انطلقت مع نهاية العام المنقضي مساع لحلحلة موضوع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وسط أمل بإمكانية إيجاد مخرج لملف المنظمة الأعرق في العالم العربي وإفريقيا..

لكن العام المنقضي، انتهى بتطورات لافتة في مستوى الأحزاب السياسية، كان أبرزها استقالة عدد هام من الكوادر والقيادات، من الحزب الديمقراطي التقدمي بعد سنوات من النضال والشدّ والجذب حول مواقف الحزب السياسية وطريقة تعاطيه مع الشأن السياسي ومع السلطة، ورؤيته للعمل السياسي الحزبي..

وشهد حزبان مما يعرف بـ»أحزاب الوفاق«، خلافات متفاوتة في حجمها وتداعياتها.. الخلاف الأول كان من نصيب حزب الوحدة الشعبية، الذي عرف تجاذبًا بين بعض أعضاء قيادته والأمانة العامة للحزب، على خلفية بعض المواقف والترتيبات المتعلقة بالانتخابات وبالحزب، لكن سرعان ما تم تطويق الخلاف وتسويته، إثر تفاهمات لم يكشف إلى الآن عن تفاصيلها..

أما التطور الثاني فيخصّ الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، الذي شهد في الآونة الأخيرة خلافًا بين أحد أعضاء المكتب السياسي وقيادة الحزب، انتقل إلى المجلس الوطني الذي أعلن فيه السيد أحمد غندور عن استقالته من الحزب في أعقاب جدل مع بعض أعضاء المجلس.. وكان الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، »فجّر« في نهاية السنة المنقضية، قضية استقطبت اهتمام الرأي العام التونسي والعربي، تمثلت في دعوة فرنسا إلى الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية في تونس، ومطالبتها بتقديم تعويضات عن الشهداء التونسيين الذين ذهبوا ضحية التعسف الفرنسي الذي استمر لعقود، وهو ما اعتبر موقفًا جريئًا من الحزب، باعتبار أن ذلك يعدّ سابقة في تاريخ العلاقات التونسية الفرنسية..

وتسود الأوساط السياسية والإعلامية منذ عدة أسابيع، حالة ترقب للتعديل الوزاري الذي ينتظر القيام به خلال الفترة المقبلة، في سياق إعطاء دماء جديدة في شرايين الحكومة، لتدشين مرحلة جديدة في المشهد العام للبلاد.

الإعلام وطاحونة الشيء المعتاد

في السياق الإعلامي، عرفت سنة 2009 جملة من الأحداث الهامة، يمكن اختزالها في هذه النقاط التالية:

ـ انطلاق بث قناة »نسمة تي في« الخاصة، وسط جدل كبير حول مضمون برامجها ومستوى خطابها الإعلامي، قياسا بالاستحقاقات المؤملة وطنيا..

ـ استمرار »قناة تونس7 «، في تقديم مادة إخبارية وإعلامية وبرامجية »معزولة« نسبيًا عن المجتمع ومشاغله وتطلعاته، ما جعل أكثر من سؤال مطروح حول مستقبل هذه القناة التي لا تقدم من البرامج إلا ما تعلق بالترفيه والاهتمامات الاجتماعية الهامشية، فيما هي تختزن كفاءات وخبرات وتجارب كفيلة بأن تغيّر وجه القناة في اتجاه انتظارات النخب والرأي العام، وبشكل لا يصرف أنظار المشاهدين باتجاه قنوات أخرى »تستهلك« عقولهم وقلوبهم، بما تقدمه من مادة مثيرة وخطيرة في أحيان كثيرة.
ـ التطورات الحاصلة صلب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وهو تطور ما تزال تداعياته مستمرة في الجسم الصحفي، خصوصًا بعد حالة الركود التي أعقبت المؤتمر الأخير، وأدخلت النقابة في شبه عزلة عن المحيط الإعلامي في البلاد..

ـ إعلان السيد أسامة الرمضاني، وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين بالنيابة، عن اتجاه الحكومة لإطلاق ما بين 8 إلى 12 قناة تلفزيونية رقمية في المستقبل، في سياق مرحلة جديدة تستعدّ فيها البلاد لإثراء المشهد الإعلامي الوطني بجملة من القرارات السياسية البارزة..

ولفت الوزير في مداخلة حول »الشباب والمشهد الاتصالي المعولم«، كان قدمها بمدينة سوسة مؤخرًا، إلى أن الحكومة ستزيد في دعم صحافة الرأي والأحزاب، وفتح الباب لكافة الحساسيات السياسية والفكرية لتعبّر عن نفسها، في إطار ما قال إنها »منظومة إعلامية تعددية قوامها احترام القانون وأخلاقيات المهنة الصحفية«..

عام «الرعب» الاقتصادي

وصف العام 2009 في بعض الدوائر الاقتصادية والسياسية بـ »العام الأسود«، في إشارة إلى الأزمات الاقتصادية التي تداولت على أيامه ولياليه..فقد عرفت السنة التي ودعنا، ثلاث أزمات اقتصادية ما تزال تداعياتها مستمرة إلى الآن..
البداية كانت بالارتفاع غير المسبوق في أسعار برميل البترول في السوق الدولية، ما اضطر الحكومة إلى تعديل أسعار المحروقات، واتخاذ إجراءات »حمائية« للموازنة العامة للحكومة، عبر إقرار ملحقات إضافية في سياق تجنيبها مظاهر العجز، وإبعاد الحراك الاقتصادي والمالي عن إمكانيات التأثر بتداعياتها..

وسجّل المشهد الدولي في مرحلة لاحقة، ما وصف بـ »تسونامي« الوضع المالي الدولي، من خلال الأزمة المالية التي كانت المضاربات في العقارات وما يعرف بالقروض العقارية وتداعياتها المصرفية المعقدة، أبرز مفاصلها.. وألقت هذه الأزمة بظلالها على الوضع المالي الخليجي، الذي يعدّ أحد قنوات الضخّ المالي في السوق الدولية، ما كان من نتيجته، حصول انكماش في مشروعات الاستثمار في مختلف أنحاء العالم، بينها تونس التي اضطر المستثمرون الإماراتيون تحديدًا، إلى تأجيل مشروعاتهم المبرمجة (سما دبي حصريًا) ..وهو تأجيل تسبب في تقليص فرص العمل التي كانت الحكومة تعوّل عليها، لتوفير مواطن شغل لآلاف العاطلين عن العمل من أصحاب الدبلومات في قطاعات تشغيلية عديدة، بينها البناء والنقل والخدمات والتجارة والسياحة وغيرها..

ولا يختلف اثنان من المنصفين، حول الأداء الحكومي في هذه الأزمات الاقتصادية، حيث نجحت في تجاوز »مرحلة الخطر«، عبر سياسات ذكية استخدمت التوقي والحلول الاستباقية، فتوصلت إلى التقليل من انعكاسات هذه الأزمات بشكل جلب لها تقدير مؤسسات دولية عديدة، سواء تعلق الأمر بتصنيف بلادنا ضمن أبرز البلدان التنافسية في اقتصادها، أو من خلال اعتبارها أرضًا مهيّأة للاستثمار بفعل مؤشر الاستقرار الذي تتوفر عليه...

الحوض المنجمي

حدثان بارزان على الصعيد الاجتماعي تم تسجيلهما خلال سنة 2009.. الأول، ما يعرف بـ »أحداث الحوض المنجمي« بقفصة، التي جاءت على خلفية سوء تصرف في ملف التشغيل في مؤسسة فسفاط قفصة، ما تسبب في ردود فعل عنيفة اتخذت لاحقا منحى »التوتر«، وانتهت بسجن بعض المشاركين فيها، قبل أن يتم الإفراج عنهم بقرار رئاسي مباشرة إثر الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكتوبر الماضي..

لكن الحدث الأبرز على وجه الإطلاق، هو مرض أنفلونزا الخنازير الذي تسبب في تخوفات لدى التونسيين، لكن التعاطي الإعلامي و»المقاربة الصحية« التي تم اعتمادها من قبل الحكومة إلى حدّ الآن، أكدت وجود معالجة عقلانية لم تضخم المرض، ولم تجعل منه بعبعا لدى المواطنين، لكنها اعتمدت في المقابل، أسلوب التوعية الصحية والإعلامية، مع الكشف عن الإصابات المسجّلة، والإعلان عن حالات الوفاة بصورة شفافة في الإعلام، ما ساهم في تقليص التخوفات، وتعويد المواطنين على التعاطي مع هذا المرض بنوع من الأريحية.. وهو ما يعني أن سياسة الانكشاف أفضل بكثير من سياسة الإخفاء التي لا تبدو ناجعة في هكذا ظروف ومشكلات..
ا
لساحة الاجتماعية، سجلت كذلك، غلق ملف المفاوضات الاجتماعية في القطاعين الخاص والعمومي، بالإضافة إلى تحركات نقابية احتجاجية في بعض القطاعات النقابية، خصوصًا قطاع النسيج، إلى جانب ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية والملابس، بشكل غير مسبوق قياسا بالسنوات الماضية، مع تسجيل نواقيس الإنذار من مزيد تفاقم ديون الأسرة التونسية، التي بدأت تتخذ شكل «الأزمة المالية الخانقة»، بما قد يربك موازنة العائلة التونسية..

عام مَرّ، التحفنا به بخيباته ومكاسبه وهزاته و«تسونامياته»، وهذا عام جديد يتمنى المرء أن تكون فيه نجاحاتنا جميعًا أكثر من صفحات الفشل لأننا بحاجة إلى أن نفرح..

صالح عطية

http://www.assabah.com.tn/article.php?ID_art=27972#