الخيانة العظمى
ما كشفه رئيس اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق حول الرشوة والفساد الأستاذ توفيق بودربالة في ندوته الصحفية يوم الثلاثاء عن قيام الرئيس المخلوع بإصدار أوامر بقصف حي الزهور بالقصرين بالطائرات فاق كل التصورات.
لم نستبعد كل ما بلغنا عن تجاوزات الرئيس السابق ومحيطه العائلي وتورّطهم في نهب المال العام ولم نستغربه، فتفاصيل ذلك معلومة عند العموم وما متابعة الأخبار الصادرة حولها إلا من باب تأكيد المعلوم ليس إلاّ.
لم نستبعد كل ما بلغنا عن التجاوزات المرتكبة ضد معارضي الرئيس السابق ونظامه ولم نستغربه، فما من عائلة في هذه الأرض الطيبة الشامخة الاّ ونال أحد أفرادها نصيبه من سياط الجلادين وعسفهم. وللحقيقة نسوق أن الرئيس السابق لم يؤسس لسياسة البطش بالمعارضين بل تربى عليها في ظل نظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وكان أحد أدوات تنفيذها.
لكن أن يصدر رئيس دولة الأمر للطائرات الحربية بقصف مدنيين عزل في حي سكني لمجرد أن شبابهم نزلوا للتظاهر في الشوارع فذلك ما لا يمكن استيعابه ولا تصديقه الا إذا سلمنا أنه صادر عن عقل مريض!! عقل تمثل السلطة فلم يعد يرى نفسه خارجها.
من الذي أوصل الرئيس السابق لهذه الدرجة؟ من يتحمّل مسؤولية انحرافه من راع للشعب إلى قاتل له من أجل الكرسي؟ هل هي فقط عيون ليلى وطلاسمها السحرية حسب ما يؤكده العارفون؟
لست واثقا من ذلك. الذين باركوا تنقيح الدستور في 2002 لتمكين بن علي من كسر الحاجز الدستوري الذي كان يمنعه من البقاء في كرسي الرئاسة أكثر من ثلاث دورات وإعادة الترشح في 2004 يتحملون المسؤولية في انحرافه. الذين زكوه وناشدوه ورشّحوه لانتخابات 2009 يتحمّلون المسؤولية في انحرافه. الذين أعادوا الكرة وناشدوه للترشح لانتخابات 2014 يتحمّلون المسؤولية في انحرافه، مرورا بأعضاء البرلمان المزيّف في مختلف دوراته والمسؤولين المدّاحين في مختلف مواقعهم وكلّ الذين آثروا السلامة وانزووا بأنفسهم عن الشأن العام خوفا على مصالحهم كلهم يتحمّلون المسؤولية في انحرافه.
فالغول الذي تعاظم شأنه حد التجاسر على دمنا وتضخمت سطوته بفضل ضعفنا هو بشكل من الاشكال نتاجنا!؟
بن علي أجرم في حق شعبه وارتكب خيانة عظمى وعليه أن ينال جزاءه العادل إثر محاكمة عادلة تكفل له فيها حقوقه كاملة في الدفاع عن نفسه.
وفي انتظار حصول ذلك على جيشنا الوطني أن يبادر بتطهير سجلاته من إسمه وسحب كل الأوسمة العسكرية منه على الأقل لأنه جنرال هارب. فشرف العسكرية يأبى على منتسبيها الهرب. فما بالحكم عندما يتعلق الأمر بضابط سام برتبة جنرال..
رجاء... جنرالاتنا لا يهربون.
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الخميس 14 أفريل 2011