حماية الثورة والتمويل المطلوب للحملة الانتخابية
النقاش على أشده خلال اليومين الأخيرين في مراكز صياغة القرار حول تمويل الحملة الانتخابية المقبلة لانتخابات المجلس التأسيسي يوم 24 جويلية المقبل إذا ثبت الموعد.
ويتمحور هذا النقاش أساسا حول اعتماد التمويل العمومي للحملات الانتخابية أو ترك أمر التمويل محمولا على عاتق المترشحين أنفسهم وما قد يستوجبه ذلك من ضوابط.
النظام المعمول به في السابق كان التمويل العمومي الذي يغطي جانبا من مصاريف الحملة الانتخابية سواء كانت القائمة المتقدمة حزبية أو مستقلة، وفي ظل ظروف القمع والتسلط اللذين كانا سائدين مع النتائج المحددة سلفا للانتخابات لم تكن المساهمة في العملية الانتخابية سوى واجب بروتوكولي اجباري لمرشحي الحزب الحاكم المنحل المستحوذ على كافة أجهزة الدولة والسالب لقرارها، أو مشاركة رمزية لا تتجاوز في أفضل الحالات التعريف ببرنامج الحزب المترشح أو التمسك بحق دستوري بالنسبة إلى بعض المستقلين وهو ما كان يعتبره خصومهم من المستقيلين أو المقاطعين ضربا من المشاركة في تزييف العملية الانتخابية.
والمترشح الخارج من دائرة الحزب الحاكم أو المرشحون المرضي عنهم في هذه المعادلة يكون مصيره التضييق والمتابعة. لذلك كان قبول الدخول في مثل تلك الانتخابات محدودا بل ومحفوفا بالمخاطر وبالتالي لم يكن التمويل العمومي يطرح أية اشكالية في ظل انحسار عدد المرشحين.
اما وقد هبت رياح الثورة وأعادت رسم المعادلات الوطنية ومنها المعادلة الانتخابية فقد تغير الوضع.
واذا افترضنا جدلا أن سيل الأحزاب الوليدة لن يتجاوز السبعين قبل موعد الانتخابات وقد بلغنا اليوم عتبة 53 حزبا مرخصا له، وإذا افترضنا كذلك بأن عدد المترشحين المستقلين الذين لا يجدون أنفسهم ضمن أطر الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية القائمة قبل الثورة أو ضمن تلك التشكيلات الجنينية الحديثة التي نبتت بعدها، وإذا وضعنا في اعتبارنا أن فتح خزانة الدولة امام كل متقدم من شأنه أن يفتح شهية كل من بإمكانه أن يرى في العملية الانتخابية مصدر دخل مضمون بما قد يحول العملية الانتخابية الى مورد للتشغيل الموسمي لذلك نخشى من أن يتحول موعدنا كتونسيين مع التاريخ لتجسيد سيادتنا كشعب حر على أرضه من خلال مؤسسات يعيد صياغتها بإرادته الحرة وعبر القاعدة الدستورية التي سيضع أسسها الى سوق ومهرجان غوغائي غير محمود العواقب،فالحذر كل الحذر لأن بعض الافرازات الجانبية للثورة أوضحت لنا بشكل مؤلم بأن الطريق أمامنا مازال طويلا وحماية الثورة تتم أساسا عبر اختيار النظام الأنسب لتمويل الحملات الانتخابية للمجلس التأسيسي.
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم السبت 9 أفريل 2011