مشروع القانون الانتخابي الذي أعدته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أثار الكثير من الجدل وأحدث انقساما في أوساط النخبة والمجتمع.
وإذا كان الحسم قد تم في صلب الهيئة من خلال الأغلبية لفائدة الإقصاء وضد القائمات الفردية لانتخابات المجلس التأسيسي إلا أن الواقع يبدو مخالفا لذلك خارج أسوار مبنى مجلس المستشارين.
الفصل 15 من مشروع القانون الانتخابي نص على:
منع الترشح لعضوية المجلس التأسيسي عن كل من تحمل مسؤولية في صلب الحكومة أو هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي خلال الـ 23 سنة الأخيرة. علما بأن المسؤولية في هياكل التجمع تعني حتى المسؤولية في صلب هيئة شعبة بما فيها المنزوية في أعماق الريف.
وأخطر ما في هذا المقترح هو أنه يقر مبدأ العقاب الجماعي الذي تحرمه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان اعتبارا لأن المسؤولية في أي فعل إجرامي هي مسؤولية شخصية ولا توجب عقابا إلا بعد تثبيت الجرم إثر محاكمة عادلة.
ذلك أن الحرمان من الحق في الترشح لعملية انتخابية هو حرمان من حق سياسي لا يمكن أن يتأتى إلا بعد حكم قضائي بات ويعتبر في القانون الجزائي التونسي حكما تكميليا.
وقد تغاضينا عن تحدث بعض أعضاء هيئة الأستاذ عياض بن عاشور باسم الثورة وباسم الشعب، وتقبلناه منهم من باب الحماسة ولو على مضض لكن عليهم أن لا ينسوا بأنهم هيئة استشارية «غير تقريرية» تخدم أهداف الثورة وليس الظلم وبأن للقضاء مجاله وله كلمة الفصل في تحديد المذنب من غيره.
بالتأكيد هناك تجمعيون في مستويات عديدة قد اجرموا في حق شعبهم ويستحقون المحاسبة، لكن أن نأخذ الكل بجريرة البعض فهذا هو الإجحاف بعينه.
لقد كان الإعلام مسخرا لخدمة بن علي وأداة فظة للدعاية والتضليل وغرس روح الاستسلام في الناس. فهل نعتبر كل أهل المهنة الإعلامية مذنبين ونحرمهم من حقوقهم السياسية؟
كذلك كان القضاء مسخرا لخدمة الظلم وحماية الفساد والمفسدين. فهل نعتبر كل القضاة مذنبين ونحرمهم من حقوقهم السياسية؟
من جهتها زكت القيادة النقابية باسم كل النقابيين انقلاب بن علي على الدستور في 2002 وفرشت له طريق الاستمرار في الحكم بعد ان أصبح ممنوعا عليه الترشح لولاية رئاسية جديدة. وكذلك فعلت في 2004 و2009. فهل نعتبر كل النقابيين مذنبين ونحرم كل من تحمل مسؤولية نقابية في هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل من حقوقه السياسية؟
وغير هذه الأمثلة كثير تطال الفنانين والموسيقيين والرياضيين الخ... فقليل من العقل رجاء ولنضع مصلحة تونس فوق كل اعتبار ولنعمق الحوار والنقاش والانفتاح الذي حرمنا منه طيلة عقود ولا نسمح للحسابات الحزبية بسرقة ثورتنا.
مجلس الوزراء والرئيس المؤقت بما لهما من سلطة قانونية مطالبان بمنع الانحراف وتعديل المسار قبل فوات الأوان ولنا في العدالة الانتقالية مخرج ودليل وللحديث بقية...
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الجمعة 15 أفريل 2011