لا ظلم بعد الثورة.. وتونس لكل التونسيين
تونس لكل أبنائها أو لا تكون. وإذا كان للثورة عليها فضل فهو أساسا في تحقيق الفصل مع الاستبداد والاستئثار بكل أشكاله ومنه إقصاء الآخر المختلف في الرأي أو الموقف.
الاستبداد في تونس كما في كل دول العالم ومن خلال التجربة الإنسانية عبر كل العصور لا يمكن اختزاله في شخص أو مجموعة من حوله بل هو منظومة متكاملة تتمعش من الوضع القائم لأنها تجد فيه مصالحها.
منظومة الاستبداد تنتج ضحايا، الجانب السياسي هو أحد إفرازاتها وهو الأخطر والأكثر مرارة لأن الحطام فيه قد يطال النفوس.
لذلك فالقطع مع منظومة الاستبداد يوجب حتما حصول المحاسبة باعتبارها طلبا للعدالة وليس للثأر.
لقد جربنا سياسة «عفا الله عما سلف» عند حصول تغيير السابع من نوفمبر 1987، لكن ما الذي حصل بعد انقضاء الربيع الذي عشناه عاما ونيف؟
عدنا إلى المربع الأول وبصورة قد تكون أكثر بشاعة!! لماذا؟ لأننا لم نتحاسب!!
الحساب لا يعني الانتقام بل هو وقوف كل واحد منا عند أخطائه. هو أن يعترف المسيء بأنه أساء ويقف على بشاعة إساءته. وهو كذلك أن يستمع الضحية على الأقل إلى كلمة اعتذار لن تمحي بكل تأكيد الدمار والخراب الحاصلين في ذاته ومن حوله ولكنها تعيد له على الأقل اعتباره وثقته في نفسه وبأنه لم يكن "لا شيء" مثلما أراد أن يوهمه جلاّدوه.
والحساب عندما يكون طريقا للعدل لا يمكن شقه بأداة الظلم. فالتعميم ظلم والإدانة دون تتبع قضائي ومحاكمة عادلة ظلم. لا يحق لأي تونسي أن يحرم تونسيا آخر من حق من حقوقه أيا كان موقع الطرفين قبل 14 جانفي 2011 وبعده دون سند قانوني عادل.
هذا السند ليس النص القانوني الذي يصنعه الطرف «الأقوى» لأنه قادر على ذلك، وكم عانينا من ذلك من قبل، لكنه القانون الناتج عن الوفاق بحيث يضع كل طرف نفسه مكان الطرف الآخر قبل أن يقرر ويحكم.
فلا ظلم بعد الثورة ... والمطلوب اليوم ليس وضع القواعد الاقصائية حتى وإن تم إنزالها في مرتبة القانون أو المرسوم أو أي تسمية نشاء.
المطلوب بعث هيكل للمحاسبة له وحده أن يحدد المسؤوليات والتجاوزات ويقرر استتباعاتها. علما بأن مساهمة بعض المطلوب إزاحتهم من المشهد السياسي في الثورة قد تكون أكبر من مساهمة بعض الذين تصدروا للحكم عليهم.
تونس لكل التونسيين والثورة لهم جميعا إذ لا معنى لها إن لم تكن تأسيسا لثقافة جديدة ولقاعدة جديدة للتعامل بينهم تنبني على التواصل والوحدة.
فالتمسك بالمبادئ وتجنب القرارات غير المحسوبة بدقة ضمانة لحماية الثورة وإنقاذ تونس وإنجاح مسار التحول الديمقراطي.
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الثلاثاء 12 أفريل 2011