vendredi 15 avril 2011

لا نريد الوقوع في شراك الاستبداد مجددا


لا نريد الوقوع في شراك الاستبداد مجددا

أن نمضي لانتخاب مجلس تأسيسي ثان لصياغة دستور جديد لبلادنا يوم 24 جويلية المقبل إن ثبت الموعد، أي بعد أكثر من 55 عاما من انتخاب أول مجلس قومي تأسيسي في 25 مارس 1956، ففي ذلك مدعاة للتأمل والنظر.

أكثر من 55 عاما أضعناها وكنا بحاجة إلى أن نقف على حافة الانهيار حتى ندرك بأن بناء دولتنا الوطنية لم يكن على أسس سليمة ولو لم يكن الأمر كذلك لما احتجنا لمراجعة الأمر والعمل على إصلاحه.

المجلس القومي التأسيسي الأول لم يأت من فراغ بل جاء تكريسا لمطلب وطني تبناه الحزب الحر الدستوري في مؤتمره المنعقد يوم 15 نوفمبر 1955 بمدينة صفاقس حيث دعا إلى انتخاب مجلس تأسيسي يجسّد سلطة الشعب باعتباره مصدرا للسيادة ينوبه فيها برلمان منتخب انتخابا عاما حرّا مباشرا.

وبعد أكثر من 55 سنة وقفنا على حقيقة مرّة مفادها أن سيادة الشعب لم تكن سوى وهما ولم يكن الدستور سوى حبر على ورق أو صك أفرغه الاستبداد من رصيده.

كيف تمكن الاستبداد منّا وسرق جهاد آبائنا وأجدادنا وأحلامهم وآمالنا؟

مات الملك، عاش الملك... ليس مهمّا أن يكون الملك جلالة باي أو فخامة رئيس للجمهورية بقدر ما يهمّنا أنه طوّع كل أجهزة الدولة وجعلها أداة لاستعباد شعب توهّم الحرية!؟.

تفويض المجلس التأسيسي المقبل صلاحية التشريع واختيار الحكومة ورئيس الجمهورية في نفس الوقت تمهيد لعودة الاستبداد، ذلك أن توفر أغلبية من نفس التوجه داخل هذا المجلس مثلما حصل مع نواب «الجبهة القومية» في 1956، يعني أننا مرشحون للسير في نفس المسار؟.

هناك أزمة ثقة حقيقية اليوم بين السلطة والمجتمع، بين عامة الناس والنخب. الانتخابات المقبلة للمجلس التأسيسي كان بإمكانها أن تضعنا على سكة المصالحة، لكن الحسابات الحزبية هي التي طغت على أعمال هيئة الأستاذ عياض بن عاشور.

فقد تم استبعاد نظام الدوائر الفردية المصغرة التي لن تتجاوز حدود المعتمدية والتي كانت ستمكن الناخب من فرصة اختيار أشخاص يعرفهم ويثق فيهم بقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو السياسية، والاستعاضة عنها بنظام القائمات الذي جرّبناه وكانت نتائجه معلومة. يبدو أن المنطق الذي ساد عملية اختيار النظام الانتخابي لم يكن لخدمة مصلحة البلاد وتوفير أفضل ضمانات الاختيار للمواطنين بقدر ما كان لتوفير ضمانات التواجد للأحزاب التي سيجد المهيكل منها وحده طريقه للاكتساح!؟.

وفي غمرة الانتشاء بما اعتبروه انتصارا منهم لمكانة المرأة لم ينتبه أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى أن كل الشابات التونسيات اللواتي ساهمن في الثورة وأسقطن الاستبداد وكنّ في أحيان كثيرة أكثر عددا من الشبان لم يتحركن في إطار "الكوتا" المهينة بل كمواطنات حرائر لا فرق بينهن وبين الرجال.

نعلم جميعا أن موقف السلطة التنفيذية الانتقالية حكومة ورئيسا هش، لكن المواقف المبدئية الشجاعة التي لا تراعي غير مصلحة الوطن قادرة على الثبات في وجه العواصف وجعلها تتكسر على أسوارها الاعتبارية..

تحيا تونس ـ تحيا الجمهورية.

زياد الهاني


افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم السبت 16 أفريل 2011