mercredi 23 mars 2011

حديث المصالحة



إقدام الوزيرين السابقين أحمد فريعة وكمال مرجان على تشكيل حزبين جديدين مازال يثير الكثير من الجدل بين أطراف النخبة التونسية والفاعلين السياسيين الذين انقسموا بين رافض ومؤيد لهذه الخطوة.

ففي حين يرى البعض أن الوزيرين فريعة ومرجان جزء من نظام بائد يجب القطع معه نهائيا، وأن حزبيهما ليسا سوى إعادة إحياء بشكل ملتو لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ، يرى آخرون أن تونس لكل التونسيين وأنه لا يجب حرمان أي تونسي من حقه في المساهمة في إعادة بناء تونس الجديدة التي لا مكان فيها للإقصاء.

وتذهب جبهة الرفض إلى حدّ اعتبار أنّ من مارس الإقصاء واحتكار الحياة السياسية وترهيب المواطنين وعمل كرديف للبوليس السياسي وكان في أحيان كثيرة أكثر قسوة منه ويقصدون حزب التجمع المنحلّ، لا يحق أن يكون له رأي أو دور في تونس الحرة، على الأقل لفترة انتقالية لا تقل عن عشر سنوات حسب رأيهم.

وإذا كان لكل من الموقفين ما يبرره، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن جروح معاناة الماضي عند عديد التونسيين الذين تعرضوا للظلم خلال العهود السابقة لم تندمل بعد والخطاب الحقوقي وحده وتجاهل هذا الواقع لا يمكنهما أن يضمنا انتقالنا إلى الضفة الأخرى والقطع نهائيا مع سلبيات الماضي.

تونس ليست البلد الوحيد الذي عاش تجربة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية فعديد الدول سبقتنا في هذا المجال واضطرت في لحظة فارقة للتعاطي مع ملف ممارسات الماضي المظلم.

ويمكن تقسيم تجارب هذه الدول إلى تجربتين: تجربة الاجتثاث التي طبقها بريمر في العراق وأوقعت البلد في حرب أهلية، وتجربة المصارحة والمصالحة التي طبقها زعيم إفريقيا الكبير نيلسون مانديلا ومكنت جنوب إفريقيا من تجاوز جراح فترة الميز العنصري والانبعاث من جديد.

والتونسيون بحاجة اليوم إلى مصالحة حقيقية لا يمكنها أن تقطع مع الماضي إلا إذا وقفنا على حقائقه المرّة.

ليس مطلوبا التشفي من أيّ كان، لكن على كل واحد منّا أن يقف على حدود أخطائه وآثارها، فالذين أجرموا في حق مواطنين تونسيين إخوانهم كل ذنبهم أنهم عارضوا نظام التسلط السابق أو لهم أعمال سعى النافذون إلى مقاسمتهم فيها لا ينتمون إلى إدارة واحدة بل يتوزعون على عديد الإدارات المرتبطة ارتباطا مباشرا بمصالح الناس. كل هؤلاء الذين سلطوا أي شكل من أشكال الأذى بقطع النظر عمّا إذا انساقوا مأمورين أو تبرعوا بتقديم خدماتهم للاستبداد أن يعتذروا. وذلك في إطار هيئة وطنية تسجل وتستخلص وتحاسب بما يجعلنا نمنع عودة التاريخ إلى الوراء، وبعد التنقية فقط وفرز المذنب من غير المذنب يمكننا فتح صفحة جديدة في تاريخ بلادنا.

في انتظار ذلك على كل من له دعوى أو تظلم ضد السيدين أحمد فريعة وكمال مرجان ومن معهما في حزبيهما أن يتقدم به الآن ويطالب بحقه في المحاسبة. عدا ذلك لا يحق لأحد أن يمنع تونسيا من حقه في المساهمة بجهده لخدمة بلاده فصدر الوطن يسع كلّ أبنائه حتى من أذنب منهم، والظلم مرفوض أيّا كان مصدره أو مبرره.

زياد الهاني

افتتاحية جريدة "الصحافة" ليوم الأربعاء 23 مارس 2011