lundi 21 mars 2011

دفاعا عن كرامة تونس واستقلالها


احتفال التونسيين بأيامهم المجيدة في كل سنة ليس مجرد طقس بروتوكولي مثلما أريد له أن يكون في العهود السابقة بل مناسبة للتذكر والاعتبار، وفي ذلك يتنزل احتفالنا يوم الأحد 20 مارس بذكرى الاستقلال.

فالاستقلال بالنسبة إلى التونسيين عنوان لتحرير الأرض وتطهيرها من دنس المحتل الأجنبي بعد ملحمة نضالية كشفت روح الفداء الكامنة في هذا الشعب وتوقه إلى الحرية. لذلك كان التحول سلسا بعد الاستقلال من النظام الملكي الى النظام الجمهوري الذي أراده التونسيون تجسيدا لسيادتهم. فالتحرر من الهيمنة الاجنبية كان مدخلا أساسيا لتحقيق السيادة الوطنية وإقرار سيادة الشعب.

لكن الثقة العمياء التي منحها التونسيون لزعيمهم وملهم نضالهم الحبيب بورقيبة سهلت عليه سرقة سيادتهم منهم وتحولت الجمهورية الى نظام استبدادي حلّ فيه ملك مستنير مكان الملك البالي، إلى حين اخراجه من الحكم بتلك الطريقة المهينة التي عايش التونسيون تفاصيلها فجر السابع من نوفمبر 1987.

ولم يشذ الجالس الجديد على عرش قرطاج عن مسار سابقه مع اختلاف بسيط لكنه جوهري بينهما حيث حلّ مكان الملك المستنير ملك جاهل .. فالأول أحاط نفسه بكوكبة من أهل الفكر والرأي حتى وإن أجرموا في حقه وفي حق البلاد بصمتهم المتخاذل عن تجاوزاته. في حين خلق التالي حالة من التصحر حوله أردفها بالانفتاح على كل من بخس ثمنه لتصبح البلاد نهبا للصوص والانتهازيين وقطاع الأمل.

وكان من الطبيعي والحال كذلك أن ينهار صرح تم تشييده على الباطل أمام زحف مواكب الشهداء الأكرم منا جميعا الذين وهبوا ربيع حياتهم هدية غالية للوطن وللحرية.

وفي غمرة النخوة العارمة بما تحقق للتونسيين في 14 جانفي 2011 والانتشاء بما أحدثته ثورتهم من هزات ارتدادية دكت معاقل الاستبداد في محيطنا، جاءت زيارة وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون خلال الاسبوع المنقضي لبلادنا لتعيد الإلقاء بنا في جحيم الحيرة والسؤال : أين نحن من معاني الاستقلال النبيلة بما تمثله من تحرر من الهيمنة الأجنبية ومن إعلاء لراية الشعب المنتصر المعتز بنفسه، وقوة أمريكية تنتهك حرمة وزارة خارجيتنا وهي وزارة سيادة وتتصرف داخلها كما لو كانت تتصرف في أرض أمريكية أو في مستعمرة تابعة لواشنطن، وتهين صحفيينا الذين تحولوا لتغطية الندوة الصحفية للسيدة كلينتون ؟

أين نحن من اعتزازنا بكرامتنا الوطنية والكلاب المدربة الأمريكية التي نالت نصيبها من إهانتنا ؟

أين نحن من سيادتنا الوطنية ووزير خارجيتنا يتقدم لنا بالاعتذار ... نيابة عن سيدته الأمريكية التي كانت تجلس مبتسمة إلى جانبه ؟ أيّة هيبة لدولتنا في مثل هذا الحال ؟

نفهم ان البعض من مسؤولينا الذين قد يغريهم دفء كراسيهم الوثيرة، قد يؤثرون الصمت بحثا عن الدعة والمنفعة والسلامة مثلما فعلوا في مساراتهم السابقة.

أما نحن في هذه الصحيفة العمومية المحررة التي عادت لتنطق باسم الشعب الكريم وبنبضه، فلن نتخلى عن القيام بواجبنا في الدفاع عن كرامة تونس واستقلالها.

زياد الهاني

افتتاحية جريدة "الصحافة" ليوم الثلاثاء 22 مارس 2011