بين التشكيل الحكومي وحرية الإعلام
حتى لا يفقد السيد الباجي قائد السبسي البوصلة !
التصريح الأول الذي أدلى به السيد الباجي قائد السبسي الوزير الأول بالحكومة المؤقتة يوم الجمعة 4 مارس 2011 في مقره المؤقت بقصر قرطاج كان كسحابة الصيف التي لم ترو ظمأ مستمعيه من الصحفيين وحتى من الجمهور العريض الذي تابعه عبر مختلف وسائل الإعلام.
فالرجل ترك من الأسئلة ما هو معلّق أكثر مما قدّم من إجابات، خاصة بخصوص تركيبة حكومته المتوقعة وموقفه من الإعلام.
الندوة الصحفية للوزير الأول ابتدأت بمفاجأة سيئة عندما طلب بعض مساعديه من الصحفيين عدم إلقاء أسئلة والاكتفاء بالاستماع الى خطاب معاليه، وهو ما تمّ استهجانه ورفضه بشدة، فقد بدا واضحا منذ البداية أن «صاحب المعالي» كان يريد من الصحفيين تواصلا مونولوغيّا يسير في اتجاه واحد : هو يتكلّم وهم ينصتون ويسجّلون ؟! ثم كانت خاتمة «الندوة الخاصة» من طراز بدايتها عندما صرّح السيد قائد السبسي بأن «الإعلام يضطلع بدور هام باعتباره يساهم في التعريف بنشاط الحكومة ومعاضدة جهودها» !؟ مؤكدا حرص حكومته المؤقتة على «العناية بهذا القطاع حتى يكون شفافا ومسؤولا» ؟
فالسيد الوزير الأول المؤقت يحتاج مزيدا من الوقت على ما يبدو ليفهم بأن تونس تغيرت وبأن ثورةً من أجل الكرامة والحرية هزت أركانها من العمق لتغيير الواقع الاستبدادي الذي أدى بها الى حافة الهاوية. وكذلك ليدرك بأن الاعلام قد تحرر بفضل دماء شهداء تونس الأبرار الأكرم منا جميعا، وتضحيات كوكبة من الصحفيين الذين تصدّوا لأجهزة قمع الرئيس السابق. صحفيون استماتوا في الدفاع عن حرية الإعلام وكرامة المهنة وتحمّلوا في سبيل ذلك هم وأسرهم ما تحملوا، في وقت آثر فيه كثيرون ومنهم أقطاب في حكومة السيد قائد السبسي وهيئته الجديدة، السلامة والاكتفاء بمراقبة الوضع من بعيد فوق ربوة الرفاهة والسلامة.
لذلك يخطئ من يعتقد اليوم بأنه بالإمكان العودة إلى الوراء وجعل الإعلام أداة «للتعريف بنشاط الحكومة ومعاضدة جهودها» حتى لا نقول بوقا دعائيا لها !! كما يخطئ من يعتقد بأن الصحفيين اليوم وأهل الاعلام عموما يمكنهم أن يثقوا في مساعي أية حكومة «للعناية بهذا القطاع حتى يكون شفافا ومسؤولا» ؟!
فأهل مكة أدرى بشعابها، والإعلام لا يمكنه إلاّ أن يكون خادما لتونس لا لحكوماتها، فالحكومات تتغير ولولا تغيّرها لما آلت للسيد قائد السبسي ومن سبقه، لكن تونس خالدة أبد الدهر وهذا سرّ عظمتها.
ما نطلبه من الحكومة وأهل السياسة عموما أن يتركوا الإعلام لأهله، كي يعمل بشكل حرّ ومستقل وعلى نفس المسافة منهم جميعا، وأن ينصرفوا موفقين لتحمل مسؤولياتهم الجسيمة.
السيد الوزير الأول المؤقت استشهد في أكثر من مناسبة بقول الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة عن مآثر الصدق في القول والإخلاص في العمل. ولكي لا نواجهه حفاظا منا على جذوة الأمل بما واجه به الشاعر منور صمادح الزعيم الأوحد في مقولته، بقوله :
شيئان في بلدي قد خيّبا أملي * * * الصدق في القول والإخلاص في العمل
نتمنى للسيد الباجي قائد السبسي التوفيق في مهمته الحساسة والنجاح في تشكيل حكومة لتصريف الأعمال تحظى بقبول الناس ولا يكون فيها من تحوم حوله شبهة فساد أو ارتباط بحكومات أجنبية. وكذلك النجاح في إعداد انتخابات شفافة وديمقراطية للمجلس الوطني التأسيسي تعكس بصدق تطلعات التونسيين وإرادتهم.
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" ليوم الأحد 6 مارس 2011