mercredi 2 mars 2011

تونس في مفترق الطرق





وفّرت استقالة احمد نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي واحمد ابراهيم الأمين الأول لحركة التجديد من الحكومة المؤقتة امكانية جديدة لتوافق وطني حول حكومة تصريف اعمال تقود البلاد نحو ا نتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستورا جديدا يتوافق مع تطلعات التونسيين في الكرامة والحرية وبناء نظام سياسي يكفل التوازن بين السلطات والفصل بينها ويمنع عودة الدكتاتورية.

فقد بدا واضحا منذ البداية ان الوزير الاول السابق محمد الغنوشي المشهود له بالكفاءة والاستقامة لم يكن سوى المبرر المرتكز عليه من قبل اطراف الطيف السياسي للمناداة باسقاط الحكومة، فالرجل بكل ما يمثله من «امتداد مع الماضي» مثلما يبرزه مهاجموه، كان محل وفاق وموضوع اتفاق لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية خاصة بعدما ابداه من حرص على انهاء مشواره السياسي حال انتهاء مهمته الدقيقة. ولو اعاد تشكيل حكومته الثانية دون الوزيرين السياسيين لكان بامكانه مواصلة مشواره والرسو بسفينة البلاد على شاطئ الامان.

لكن الاطراف السياسية التي ظلت خارج دائرة الحكم كانت ترى في وجود الشابي وابراهيم داخل الحكومة منافسة «غير شريفة» لها من مرشحين محتملين للانتخابات القادمة. فقد كانا يحظيان بكل ما يمكن ان يوفره لهما منصباهما الوزاريان من تغطية اعلامية مؤثرة لا تنال منها هذه الاطراف نفس الحظ.

لذلك لم يكن رفع شعار اسقاط الغنوشي الذي سبق ان عقدوا له الراية بعد 14 جانفي 2011 سوى غطاء للتورية على الغاية الرئيسية الا وهي اسقاط الشابي وابراهيم. وبما ان ذلك حصل الان اصبح من البديهي الانتقال الى المرحلة التالية الا وهي الاجابة على السؤال الاهم : أية خارطة طريق نعتمد للوصول الى المجلس التأسيسي ؟

الخيارات قد تكون ضاقت وأصبحت محدودة ـ فانتخاب المجلس التأسيسي يتطلب اعدادا جيدا حتى يكون هذا المجلس معبّرا صادقا عن ارادة الشعب وتنال كل الاطراف السياسية حقها في التعبير عن نفسها وطرح برامجها والتعريف بها بما يؤهلها لكسب ثقة الناخب.

كما نحتاج خلال هذه الفترة لايجاد نظام انتخابي جديد عادل وشفاف يحمي خيار المواطن التونسي ويكون بدوره متفقا عليه على الاقل من قبل اللاعبين الأساسيين.

ويبرز السؤال المحوري هنا : من هي الجهة الدستورية التي سترعى هذه الفترة الانتقالية وصولا الى يوم الانتخابات الموعود ؟

الخيارات ثلاث لا رابع لها. اولها ان يستخدم الرئيس المؤقت فؤاد المبزع الفصل 39 من الدستور لتمديد ولايته الى حين استكمال المسار الانتخابي كاملا، ثانيا ان تجري استنادا لنفس القاعدة الدستورية انتخابات قبل منتصف جويلية مثلما سبق الاعلان عنه لاختيار رئيس جديد للجمهورية يستمد شرعيته من الشعب هو الذي يرعى مسار الانتقال الديمقراطي.

لكن في صورة حصول شغور في منصب رئيس الجمهورية الذي يتولى بصفته تلك القيادة العامة للقوات المسلحة، واعتبارا لان قواتنا المسلحة لا يمكنها ان تبقى ولو لجزء من الثانية دون قائد أعلى، عندها سيتحتم على قائد الجيش ان يتولى قيادة القوات المسلحة وبالتالي رئاسة الجمهورية نظرا لتلازم الوظيفتين. وهذا هو الخيار الثالث الذي اسلفنا الاشارة اليه.

لقد تصرف قائد الجيش الجنرال رشيد عمار بشكل جمهوري عند حصر مهامه في حفظ امن البلاد وترك ادارة الشأن السياسي لاهله. لكن المخاطر التي تحيق ببلادنا واولها امكانية انهيار الدولة والانفلات العام قد تدفع المؤسسة العسكرية لتحمل مسؤولياتها الوطنية والتاريخية في وقف التداعي وحماية الثورة والانتصار للثوار وللشهداء الذين انتفضوا دفاعا عن الكرامة والحرية وليس من اجل المحاصصة في كراسي السلطة والمغانم الحكومية او من اجل الزيادة في «الشهرية» ؟!

زياد الهاني

افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الأربعاء 2 مارس 2011