الحكم القضائي الصادر أمس الأربعاء بحلّ حزب التجمع الدستوري الديمقراطي يمثّل منعطفا هاما في المسار السياسي الوطني بعد 14 جانفي 2011، وهو يأتي بعد أيام قليلة من قرار مماثل بحلّ الشرطة السياسية وجهاز أمن الدولة.
وإذ قابل عموم الناس والنشطاء الحقوقيون والسياسيون هذا الحكم بالترحيب نظرا لما ترمز إليه هاتان المؤسستان السياسية والأمنية من عنوان للبطش والإستبداد واعتبروا ما حصل انتصارا للحق والعدالة، إلاّ أن الأمر قد يتطلب تناوله مزيد التركيز والتعمق حتى يجسد هذا المنعطف طموح التونسيين في القطع مع النظام السابق نهائيا والقضاء على دابر الظلم، مع الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.
فالمطلوب من إلغاء البوليس السياسي وجهاز أمن الدولة ليس إلغاء أجهزة أمنية تحمي أمن البلاد الداخلي والخارجي وتوفر دعائم الاستقرار والتنمية لأنه لا تنمية دون استقرار ولا استقرار دون أمن، بل المطلوب تطهير هذه الأجهزة من العناصر التي خانت شرف الأمانة الوطنية والقسم الذي أدته لحماية الوطن، وارتضت لنفسها مذلّة الركض وراء المنافع الشخصية من خلال خدعة منظومة الفساد والاستبداد.
كذلك الأمر بالنسبة للتجمع الذي حوّله الرئيس المخلوع من حزب سياسي للدساترة رغم كل ما على هذا الحزب من مآخذ، الى هيكل استخباري يضم في صفوفه خليطا من الانتهازيين وأصحاب المصالح إضافة الى عدد من الوطنيين الذين ورثوا الانتماء لهذا الحزب منذ كان رأس حربة في الحركة الوطنية وعنوانا للفداء والنضال، أو من السياسيين الذين لم يجدوا إطارا غيره راهنوا على عنصر الزمن لعلهم يستطيعون فعل شيء لتغيير مساره.
أما وقد جاء قرار الحل فالسؤال أصبح مطروحا على مستويين : هل سيكون بإمكان المجتمع السياسي القبول بحق العناصر التي سبق لها التواجد داخل التجمع وارتأت تكوين أحزاب جديدة تخولها التعامل مع الواقع الجديد؟
وما هو مصير الكتلة الانتخابية التي كانت تتعاطى تقليديا مع الحزب الحاكم وخاصة على المستوى الجهوي حيث للزعامات المحلية والعروشية تأثير حاسم يتوجب على أطراف العمل السياسي بمختلف تكويناتها أن تدرك أبعاده الحقيقية ؟
سؤال أخير : كيف ستكون موازين الفعل السياسي في المسار المؤدي إلى يوم 24 جويلية تاريخ إنتخاب المجلس الوطني التأسيسي؟
وماهي ملامح القوى السياسية التي ستقود هذا المجلس وتتحكم بالتالي في مصير البلاد ؟
للحديث بقية ...
زياد الهاني
افتتاحية جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الخميس 10 مارس 2011