vendredi 2 avril 2010

ذهبت إلى المصحة لتضع ياسمين لكن نسمات الربيع رحلت بهما: منيرة الرزقي ترثي رشا كريمة الزميل يوسف رزوقة وملاكها



رفة جناح

رشا يوسف: ما أقسى الرحيل في الربيع


بقلم: منيرة رزقي


الاهداء الى يوسف رزوقة وقد فقد أحلى قصائده


كان الشاعر يوسف رزوقة ينتمي ـ في ذهني ـ الى اولئك الذين لا يعرف الحزن طريقا اليهم سواء عن مكابرة او رفض للسقوط بين براثنه، حدث ذلك منذ ان التقيته لأول مرة، ذات خريف في حديقة معهد الصحافة، كان ضاجّا بالفرح ويحيط به الزملاء الذين يكبرهم سنا بعقدين وربما أكثر ومع ذلك كان يبدو اصغرهم وهو يلهو ويضحك. واحتفظت له بتلك الصورة حتى رأيته باكيا من فرط لوعته على رحيل وحيدته رشا.

لم يحتمل يوسف الطفل هذه الضربة القاسية الموجعة وكأن مخمل روحه الشفافة كحبات الكريستال تناثر عقدها. فبدا في معطفه المجلل بالحداد مغرقا في العتمة والذهول لم يصدّق مثلنا جميعا ان «رشاه» خطفت كما كان يردد وهو يسترجع ذكريات اليوم الأخير معها ويقف عند تفاصيل صغيرة يريد ان يعتقلها حتى لا يزحف الموت عليها كالشاي باللوز الذي احتسته رشا معه في مقهى قريب من المنزل وقالت له: «انه أطيب شاي أحتسيه معك يا أبي» اوكآشتهائها لحبات الطماطم الصغيرة وتفاصيل كثيرة يسردها يوسف رزوقة كأنه غادر الشعر الى الحكي.

تحمل تفاصيل علاقة يوسف رزوقة بابنته رشا ملامح كثيرة من معالم الفواجع والتراجيديا الاغريقية. نعرفها نحن الذين اقتربنا منه ومن اسرته عن كثب وندرك قطعا عمق هذه الفاجعة التي هدت الاسرة الصغيرة التي كانت السعادة تغمرها في انتظار المولودة الثانية لرشا.

اي وجع يحمله قلب يوسف الصغير اليوم هو الذي كان ساخرا من كل شيء، لا تفارق الابتسامة شفتيه ويتباهى بأن الامراض لا تدق بابه، حتى الانفلونزا او نزلة البرد التي تصيبنا جميعا في الشتاء يؤلف حولها النكات.
يوسف الذي صادقناه واقتربنا من عالمه الحميمي ومن أسرته الصغيرة، يوسف الساخر الضاحك يبكي هذه الايام بحرقة ومرارة صغيرته وحيدته التي تسللت من بين يديه ورحلت في الربيع كزهرة قطفت قبل أوانها ومازال عطرها يضج في اركان البيت.

لم تكن رشا ابنة عادية بل كانت صديقة يوسف وقرة عينه، انها تلك الطفلة التي سقاها الحب والحنان فكبرت في غفلة منه ولم تنزع بعد ميدعة المدرسة ولم تحل ضفائرها الشقراء القصيرة وجعلت منه جدا دون ان يشعر كما كان يقول.
كانت رفيقة دربه يفخر بموهبتها في الرسم وممارستها للصحافة ويعتز بحفيدته «سيرين» التي اهدتها اياه رشا وكأنها متعة اخرى تضاف الى ولعه بالشعر والابحار على النات..

كانت رشا يوسف تلك القصيدة التي لم تكتمل ابدا يضيف اليها الشاعر كل يوم تفاصيل جديدة يمنحها من فيض روحه وقلبه، ويقدّم لها عصارة السنين. كانت بمثابة الايقونة التي يعشقها ويحميها كما يحمي بؤبؤ عينيه.
وكما اختارت رشا ان تلج الحياة العملية مبكرا وان تتزوج مبكرا وان تعيش الامومة مبكرا رحلت ايضا مبكّرا.
ولا نملك الا ان نردد مع جاك برال: «ما أقسى الرحيل في الربيع». هذا الربيع الذي تينع فيه سنواتها السبع والعشرين وهذا الربيع الذي تحفل به الدنيا هذه الايام.

يختطف الموت رشا يوسف وهي تستعد لتهب الحياة لطفلة اختارت لها اسم «ياسمين» حتى تزهر في هذا الربيع لكن الموت اقتطف الصغيرة ووالدتها من حديقة الحياة فما أقسى الرحيل في الربيع.
تنتظر الصغيرة «سيرين» في مدخل المصحة شقيقتها «ياسمين» التي ستكون هدية أمها لها في هذا الربيع فتفوح رائحة الموت على جثة زهرة الياسمين التي لن ترى النور ولن ترفل بالحياة فما أقسى الرحيل في الربيع.
اي «بورتريه» قادر على احتواء أحزان الشاعر الطفل في فاجعته الكبرى؟

جريدة "الصحافة"، الجمعة 2 أفريل 2010

رحم اللّه الفقيدة العزيزة التي اختارها وملاكها إلى نعيم جواره. ورزق زميلنا يوسف رزوقة وأهله جميل الصبر والسلوان.

لتعزية الزميل الشاعر يوسف رزوقة، يمكنكم الاتصال به على هاتفه رقم: 98328541