مجرّد رأي:
بعد حادثتي «أفريكارت» وقصر العدالة
حرية التعبير لا تتجزّأ.. وحمايتها مسؤولية الجميع..
بقلم: زياد الهاني
الحرية حزمة واحدة لا تتجزأ، واحترام الرأي الآخر مهما كان مخالفا أحد استحقاقاتها. لذلك فالاعتداء الحاصل على فضاء «أفريكارت» بتونس العاصمة بمناسبة عرضه شريطا مثيرا للجدل يعتبر أمرا مرفوضا ومدانا جملة وتفصيلا.
وفي نفس السياق لا يمكننا إلا أن نختلف مع السيد راشد الغنوشي في ما ذكره بخصوص هذا الموضوع حين اعتبر شريط المخرجة نادية الفاني الذي كان منطلق الاعتداء «استفزازا» ليخلص إلى القول بأن «المجتمع التونسي هو مجتمع مسلم ولا يمكن أن يقبل مثل هذه الاستفزازات». وكان أحرى به وهو المتزعم لحركة تعدنا بالحرية، أن يدافع عن حق هذه المخرجة في التعبير الحر مهما كان رأيها مخالفا لرأي الأغلبية، وحتى صادما له. لأن حرية التعبير لا تكتسب معناها الحقيقي الا اذا كان للرأي الأقلي الحق في أن يصرح به حتى وإن كان صادما لرأي الأغلبية.
لذلك كنت أتمنى أن يدين السيد راشد الغنوشي بقوة وبشكل واضح لا مواربة فيه الاعتداء على فضاء «أفريكارت».
كنت أتمنى أن يطلب، دون أن يمنعه ذلك من إبداء رأيه في الموضوع وهو أستاذ الفلسفة، من السيد حبيب بلهادي صاحب الفضاء أن يدعوه لحضور عرض شريط «لا ربّي، لا سيدي» ولم لا ليفسح له مجال مناقشته وإبداء الرأي فيه؟ حتى يكون قدوة لغيره ويضرب المثل لشباب متحمّس بحاجة للترشيد. حينها يصبح قول زعيم حركة النهضة بأنه «مع حرية الرأي وحرية التفكير» له معنى ومصداقية.
ولا أظنه في هذا السياق يجهل بأنه باسم رفض الاستفزاز وحماية ثوابت المجتمع أصبح مواطنون آمنون يهاجمون في عقر بيوتهم ليعتدى عليهم ويمنعون من الاحتفال بنجاح أبنائهم في شهادة الباكالوريا لما في ذلك من «مخالفة لأحكام الشرع» من وجهة نظر المعتدين عليهم!؟
بعضهم بلغ به غرور القوة حدّ التطاول على حرمة المؤسسة القضائية والاعتداء على المحامين الذين لم يتخلوا يوما عن القيام بواجب الدفاع عمّن تعرض للعنف منهم خلال حكم الرئيس السابق.
وقد آن لهذا المسلسل أن ينتهي. فإما أن تقوم أجهزة الدولة بواجبها، وإلاّ فقد يصبح من حق المواطنين البحث عن الصيغ الممكنة التي تكفل لهم حماية حقوقهم وحريتهم.
وما يحصل حاليا من تجاذبات يؤكد بأن الديمقراطية ثقافة وبأنها لا تتحقق إلاّ في ظل دولة قوية تكون قادرة على حماية الحريات وردع المتطرفين من كل الاتجاهات .
لذلك فمن باب أولى أن نعيد اليوم النظر في أولوياتنا ونقاشاتنا التي تدور صراحة وضمنا عمّن يمكنه أن يفوز في الانتخابات القادمة، لنطرح قضية تقوية مؤسسات الدولة ودعائم الجمهورية الديمقراطية وضمان عدم السطو عليها مجددا من قبل أي طرف.
ليس مهمّا أن تطول الفترة الانتقالية بقدر أن المهم هو التوفق الى بناء نظام قوي يكفل حق التونسيين جميعا في الحرية والكرامة، ويروضهم على العيش المشترك دون مزايدات أيا كان نوعها.
فتونس قدر كل أبنائها والمجتمع التونسي في غير ذي حاجة لمن يكون وصيا عليه باسم الدفاع عن ثوابته.
كل الأفكار تبقى محترمة طالما أنه تمّ التعبير عنها بطريقة سلمية، أما إذا تحول الأمر إلى العنف فمن واجب الدولة أن تتدخل بكل قوة لتضرب على أيدي العابثين حفاظا على أمن تونس واستقرارها وتماسكها الاجتماعي.
وما حصل يؤكد مرة أخرى بأن الشأن الديني يجب أن يكون اختصاصا للدولة وحدها، ويتوجب عدم تركه لأية جهة أخرى كائنة من تكون. فالمواطنة هي القاعدة الأساسية للدولة.. والطريق مازالت أمامنا طويلة لتحقيق هذا الهدف الذي قد لا يكون المسار الحالي هو الأوفق لبلوغه.
المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الخميس 30 جوان 2011