lundi 7 mai 2012

الشيخ عبد الفتاح مورو لـ "الصحافة" : منع الدكتور يوسف الصديق أو غيره من التعبير عن آرائهم يعتبر وصمة عار..ويجب العمل على منع تكرره

الشيخ عبد الفتاح مورو لـجريدة الصحافة

منع الدكتور يوسف الصديق أو غيره من التعبير عن آرائهم يعتبر وصمة عار..ويجب العمل على منع تكرره

  *  لا يحق لأحد أن يقصي غيره من الترشح للانتخابات إلاّ إذا تم ذلك عن طريق القضاء


http://www.essahafa.info.tn/clear.gif
الصحافة - زياد الهاني:
   التقيته في اسطنبول على هامش ندوة دولية عقدها حزب الشعب الجمهوري حول الربيع العربي، ندوة أراد من خلالها الحزب التركي العلماني المعارض أن يؤكد بأن انفتاح تركيا على عمقها الجنوبي العربي ليس نابعا من قرار صادر عن حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الاسلامية الحاكم ولكن يرتبط بمصالح الدولة التركية التي لا خلاف حولها بين حكم ومعارضة. طرحت على الشيخ عبد الفتاح مورو اسئلتي التي اعددتها له حول الحراك السياسي في تونس وموقعه فيه وحصلت منه على أجوبة اكدت لي فكرة سابقة أحملها عن الرجل الذي حضرت أول محاكمة له سنة 1981 وهي أنه رجل وفاق منفتح على «الغير» بقدر تمسكه بعقيدته ونهجه السياسي الاسلامي.

   لكن أهم ما تركه من اثر في نفسي إثر هذا اللقاء هو حرقته علي تخلف سلوكنا المدني الذي يعتبر التصدي له أم معاركنا الحضارية وأن التديّن وحده لا يمكنه أن يحلّ هذه المعضلة التي تتطلب مواجهتنا جهدا توعويا قدد يمتد إلى أجيال.

   نظام مدينة اسطنبول و عمارها ونظافة شوارعها مثلت هاجسا سيطر على تفكيره ويدفعه للتساؤل الدائم: لم لا نكون نحن أيضا في نفس المستوى? كيف يمكننا أ ن نرتقي لنكون كذلك?
هذه بعض الهوامش و إليكم ما اتفقنا على أن يكون موضوعا للنشر من هذا اللقاء.

* بعد أكثر من 100 يوم من توليها زمام الحكم، كيف تقيمون حصيلة عمل حكومة السيد حمادي الجبالي؟
هي في الطريق ولكن مردودها غير كاف، أبطأت وأدخلت ارتباكا على عموم الناس ويسرت لهم أن ينقدوها بشدة.
كان مفروضا أن تكون أسرع في قراراتها. المطلوب من متولّي الحكم ان يكون أشد جرأة في تناول القضايا حتى وإن كانت حساسة.

   والحكومة لم تفصح عن الأولويات التي التزمتها حتى تدخل ارتياحا على قلوب الناس فضلا عن أدائها الاعلامي الذي جعلها غير قادرة على إطلاع الناس على برامجها وقراراتها.
فالحكومة أبطأت أساسا في القضية الاجتماعية والتنمية وفي مقدمتها التشغيل وهو ما دفع عديد القطاعات للتحرك من تلقاء نفسها لضمان حقوقها. فالمطالب تجاوزت إيجاد الشغل للعاطلين و تنمية المناطق المحرومة إلى المطالبة بتحسين وضعية العاملين والحال أن الأولوية هي لمن لا يعمل والبطء في الإنجاز جعل القطاعات تتحرك ضمن إطار أولويات فرضت نفسها.

* وفي خطابه الأخير أمام المجلس الوطني التأسيسي الذي قدم خلاله برنامج عمل الحكومة اعتمد السيد حمادي الجبالي نبرة تصالحية وشدد على ضرورة التوافق الوطني نظرا لصعوبة المرحلة وتحدياتها. كيف يمكن في تقديركم تحصيل هذا الوفاق؟

   هذا الخطاب كان يفترض أن يكون منذ البداية عند تسلمه مقاليد رئاسة الحكومة. كان مفروضا أن يظهر لعامة الناس أننا في فترة تأسيس لا تتحمل التقسيم إلى أغلبية وأقلية. الحكومة قالت منذ البداية أنها أغلبية ورد باقي الأحزاب بأنهم معارضة وبالتالي اصبحت الترويكا تحكم والبقية يتصيدون أخطاءها و كأننا لسنا في وضعية تأسيس تضع لمسات الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي.

   رجوع الحكومة للحديث عن الاصلاح أمر محمود لكن نتمنى أن تقابله الأطراف الأخرى بالقبول خاصة وأنها تعودت على الانتقاد
   لا بدّ من إنجاح التجربة مهما كان الطرف الذي يتصدى للحكم اليوم لأن همنا جميعا هو ان ينجح الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة
خلال هذا الخطاب دعا رئيس الحكومة إلى تشكيل مجلس الحكماء يكون مرجعا لحلّ الأزمات، باعتباركم أحد الرموز الوطنية التي تحظى بتقدير واسع هل يمكن أن نراكم في هذا المجلس؟

 هذه الدعوة أنا من طالب بها منذ سنة ونصف و طالبت الحكومة بإيجاد منصب وزير مكلف بالاتصال لأن الفترة الانتقالية تفرض أن يتم التواصل بين الأطراف السياسية ولا يبقى محصورا في المجلس الوطني التأسيسي الذي يكون مشحونا بطبعه. وبعدها كلما حصل صدام أكدت على أن السبب في ذلك هو عدم وجود إطار حواري. قلت ذلك قبل 9 أفريل وقبل إنزال العلم وقبل فيلم نادية الفاني وقبل المشاكل مع الاعلاميين. والسبب في أن نصل إلى سبّ بعضنا هو غياب مجال حواري.

 قلت هذا الكلام للسيد وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية و أوضحت له ان الوضع يحتم وجود هذا الفضاء الحواري.

 يبدو أن الحكومة توصلت بسبب الضغط إلى أهمية وجود هذا الاطار الذي يمكنها من التعرف على وجهات النظر المختلفة والعمل على حلّ الخلافات
  أستبعد ان يتم اختياري في مجلس الحكماء الذي تحدث عنه السيد رئيس الحكومة لأني طرف في الساحة. لكنني أرى ضرورة ان يتم بعث هذا الإطار وهناك عدد كاف من الشخصيات القادرة على القيام بهذه المهمّة.

* ما لذي حصل في القلعة الصغرى? وما صحة ما تمّ تداوله حول طردكم من جامع هناك؟
   في القلعة الصغرى قدم حوالي 20 شابا لإفساد اجتماع ديني حضره 500 شخص. قام هؤلاء الشبان بمهاجمة المحراب مطالبين بإخراجي من الجامع!? أحدهم قال لي «أنت فاسد»!؟ فقدمت له الميكروفون ليوضح أين يكمن فسادي? أجاب:«أنت تغني للناس بالألمانية»
الحاضرون رفضوا ما يحصل وقالوا لا، لكن حتى لا تحصل فوضى في الجامع طلبت من الحضور قراءة الفاتحة و غادرنا.
   الإمام السلفي الذي قام بالتحريض ضدي منعوه من إمامة الجمعة الأسبوع الموالي.
هذه  ظاهرة قائمة على أساس فهم سطحي للإسلام وتدين غير صحيح وعلى أساس معاداة الغير وصاحب الرأي المخالف وهو ما يرفضه الاسلام. وهي ظاهرة لو تواصلت تصبح مسيئة للإسلام.

* الدكتور يوسف الصديق تم التصدي له و منعه من إلقاء محاضرة في قليبية قبل طرده من مقر الجامعة الزيتونية ومنعه من حضور ندوة علمية شاركتم فيها الى جانب السيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، وذلك من قبل مجموعة من الأشخاص يفترض أنهم من طلبة العلم بالجامعة الزيتونية. كيف تقيمون ما حصل؟

   رغم كوني غير مسؤول عما وقع إلا اني اعتذرت شخصيا للدكتور يوسف الصديق واعتبرت ما حصل وصمة عار.
   طلبة العلم يفترض فيهم التواضع والقدرة على الاستماع وسماع الرأي والرأي المخالف. فلا جامعة ولا تعليم دون حرية رأي، ومنع الدكتور يوسف الصديق أو غيره من التعبير عن آرائهم يعتبر وصمة عار تنم عن نكوص على الأعقاب ولا يبشر بخير ويجب العمل  على منع تكرره.

   ناقشت الشباب الذين قاموا بهذا العمل ومعظمهم يدعون أنهم سلفيون والآخرون من حزب التحرير. وبعد ثلاث ساعات ونصف من الحوار بينا لهم أن ما أقدموا عليه كان عملا مخطئا.

 
برزت أخيرا على الساحة ظاهرة المجموعات المنظمة التي يسميها البعض ميليشيات والتي تظهر في المناسبات والتحركات المعارضة للحكومة وتتدخل لافشالها والاعتداء على المشاركين فيها وتستهدف الصحفيين. هناك من يؤكد ارتباط هذه المجموعات بحركة النهضة والبعض الاخر يتمسك ببعث لجنة التحقيق الوطنية المستقلة التي اعلن عنها وزير الداخلية في تدخل تلفزي مساء 9 أفريل الفارط لبحث هذا  الامر.

* ما هي في تقديركم سبل التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة؟

 هذه الظاهرة تسيىء لمفهوم الدولة اصلا لأن الدولة الحديثة هي التي تمسك السلطة وحدها والتي يحتكم مواطنوها الى القانون لتسوية خلافاتهم
  فالدولة وحدها تحتكر القوة ولا يحق لاية جهة اخرى سواء حزب او غيره ان يستعمل الميليشيات مثلما كان في السابق لذلك يجب التحقيق في هذه الظاهرة وشجبها والعمل على ان لا تتكرر.

* السيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة يقول انك من احب اخوانه الى نفسه وفي نفس الوقت تنبذكم قيادة حزبه هل من تفسير لهذا التناقض؟

   ليس هنالك تناقض.. موقف الاستاذ راشد لا يتنافر مع مؤسسات الحركة والاستاذ راشد وان كان رئيس الحركة إلا ان المؤسسات هي التي تقرر ويبدو ان هذه المؤسسات هي التي اتخذت قرار استثنائي وانا ارى ان هذه المؤسسات وقتية تسلمت مهامها في ظروف استثنائية للحفاظ على الحركة وكان مفروضا ان تترك مكانها لهيئات منتخبة وهذا سيحصل مستقبلا.

  المسؤولون الوقتيون لا يحق لهم تقريب أنفار او ابعاد آخرين ان كان لهم اشكال معهم وقرار استبعادي تم اتخاذه ممن ليس له نظر ودون سماع صاحب الامر وهو معلول لذلك.

* كيف تقيمون مشاركتكم في انتخاب المجلس الوطني التأسيسي؟

   الفشل كان طبيعيا لاننا لم نأخذ بعين الاعتبار ان المجتمع التونسي حديث عهد بالتجربة التعددية ولم تدخل في تقاليده القائمات المستقلة فضلا عن ان الفترة السابقة شهدت استقطابا ثنائيا جعل الناخبين يتوجهون  الى صناديق الاقتراع للاختيار بين طرفين احدهما يدعو الى الهوية والثاني الى الحداثة.
وكثيرون هم الذين لم يكونوا على بينة من كوني ألزمت بمغادرة النهضة فتصوروا ان رمز النهضة هو انا لانه لم تكن هنالك في بطاقات التصويت اسماء بل رموز.

* نظام التصويت على القائمات في دوائر موسعة بدل التصويت على الأفراد في دوائر مضيقة أدى الى حرمان البلاد من عديد الكفاءات حيث في نظام التصويت على الأفراد يتم التركيز على القيمة الشخصية للأفراد ومدى نزاهتهم واشعاعهم بقطع النظر عن انتمائهم الحزبي. هل يجوز اعادة اعتماد نفس النظام في الانتخابات المقبلة؟

   من اختار نظام التصويت على القائمات؟
   تم فرضه علينا وابتدع على القياس ليمنع الاسلاميين من الحصول على اغلبية فتحنا اعيننا ووجدنا هذا النظام مفروضا علينا لذلك علينا ان نختار نظاما في الانتخابات القادمة يكون ناتجا عن فهم ووعي بالمرحلة التي نحن نمر بها وان لا يكون الامر معدا مسبقا وهو ما يمكن اعتباره تزويرا لارادة الناخب اي اننا نقنن لعدم المساواة وتكافئ الفرص بين أفراد المجتمع بالتقليص من تأثير القويّ وتقوية تأثير الضعيف والحال ان الانتخابات يجب ان تعكس ارادة الناخب كما لو كنا في مدرسة ونستخدم مقياسين للتلاميذ في مادة واحدة: القوي نحتسب له المادة ضارب 4 والضعيف نحسبها له ضارب واحد فقط وهذا الامر لا يستقيم
بعد الاجتماع الضخم الذي نظمه انصار الوزير الاول السابق السيد الباجي قائد السبسي في المنستير بدأت الاصوات تتعالى في صفوف حركة النهضة وحزب المؤتمر الحاكمين للمطالبة بإقصاء التجمعيين من الانتخابات القادمة. كيف تقيمون هذا التوجه وما هي الآثار التي قد تترتب عنه حسب تقديركم؟

   لا أتصور انه يحق لاحد ان يقصي غيره الا اذا تم ذلك عن طريق القضاء.
الحرمان من حق الترشح في الانتخابات عهد به القانون للقضاء. من يثبت فساده اثر محاكمة يطبق عليه القانون.
هناك مجموعات تجمعية يفترض فيها ان تستحي وهي تقدم نفسها على اساس انها بديل يصلح للمرحلة القادمة والحال انها اسست للاستبداد ومارست العنف ولا يحق لهم استغلال الانقلاب على الوضع عن طريق الثورة للعودة الى ما كانوا عليه لكن ذلك لا يبرر الاقصاء والمنع بالقانون كما فعل النظام السابق مع الاسلاميين انفسهم.

* دخلتم في تحالف ثلاثي مع الدستوريين ممثلين بالسيد كمال مرجان والوجه الليبرالي منذر بلحاج علي. ما هي آفاق هذا التحالف؟ وهل ننتظر انضمامكم الى مبادرة «نداء تونس» للسيد الباجي قائد السبسي؟

   لم نكوّن تحالفا بل منبرا حواريا اسميناه «منبر الاستقلال» ويندرج فيما عبرت عنه في السابق من ضرورة وجود منبر حواري يجمع الاطراف المختلفة ويكون اطارا للتحاور فيما بينها  وليس تحالفا سياسيا وهذه المبادرة يبدو انها فشلت لانه لم يلتحق بها احد.

   مبادرة الاستاذ الباجي قائد السبسي يبدو انها بصدد التحول الى حزب سياسي وبقدر ما ادعم هذه المجموعات السياسية وادعم وقف التشتت، لكن يجب ان لا يكون ذلك على اساس معاداة اي طرف سياسي اخر والا فسنعود الى الاستقطاب الذي افسد الحياة السياسية في السابق.

* في الوقت الذي تخطط فيه الدول الكبرى لبناء محطات دائمة فوق القمر والانطلاق لاستعمار المريخ، اعلن الخطيب الادريسي في محاضرة القاها مؤخرا بالجامع الكبير بسوسة ان القطب الشمالي هو القاعدة التحتية للأرض والقطب الجنوبي رأسها وبان المشرق الحالي للأرض هو مغربها والمغرب هو المشرق واكد انه استند في نظريته هذه الى آيات من القرآن الكريم!؟

   اذا أسند الامر لغير أهله فارتقب قيام الساعة.
هذه القضية ليست قضية دينية بل علمية يباشرها اهلها من المختصين في مجالات العلوم كالجغرافيا والفيزياء وغيرها.

هذه القضية فيها تجنّ من قبل الخطيب الادريسي الذي احترمه وتعرفت عليه خلال محنة سجنه ولا ارى مصلحة شرعية في تناول مثل هذه المواضيع التي لها اخصائيوها.

حاوره: زياد الهاني

المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم السبت 5 ماي 2012