mardi 29 décembre 2009

روضة الشتيوي : «قليل من الرغبة» لمنيرة رزقي، رواية الأمكنة والتفاصيل الإنسانية




الثلاثاء 29 ديسمبر 2009



كتاب «قليل من الرغبة» لمنيرة رزقي

رواية الأمكنة والتفاصيل الإنسانية

روضة الشتيوي


صدر مؤخرا للزميلة الصحفية والباحثة والقاصة منيرة رزقي باكورة انتاجها الروائي الذي اختارت له عنوان «قليل من الرغبة».
الرواية صدرت عن دار سحر للنشر بغلاف محمّل بتفاصيل يمكن ان تقرأ من خلال مضمون الرواية وهي تفاصيل شكلتها انامل الرسامة سعاد الشهيبي.

في «قليل من الرغبة» تواصل منيرة رزقي كتابة مشروعها الابداعي الذي انطلقت في رسم ملامحه بمجموعتها القصصية الاولى «رائحة العنبر» ثم بمجموعتها الثانية «سوق المتعة» والمواصلة جاءت هذه المرة بالانتقال من جنس القصة القصيرة الى جنس الرواية دون ان تقطع مع اسس هذا المشروع الذي ارادته مدخلا لكتابة الحياة بكل تفاصيلها. فانتقال الكاتبة من جنس ادبي الى آخر هو فقط انتقال الى فضاء ارحب في المساحة... رحابة تمكنها من التعبير بأكثر عمق عن الموضوع الذي خامرها وخامرتها فكرة تحويله الى الورق كما تمكنها من دخول مناخات اخرى يفرضها الموضوع.

من قرأ المجموعتين القصصيتين لمنيرة رزقي يكتشف انها تكتب عن مشاكل الإنسان وعن القضايا الإنسانية وعن المرأة في علاقتها بالجنس الآخر وان الشخصيات التي بعثتها للحياة هي شخصيات ايجابية في افعالها تمتاز بالقدرة على المقاومة رغم ما تعانيه من انكسارات. وفي «قليل من الرغبة» تعيد منيرة رزقي بعث شخصية - روائية هذه المرة - بنفس المواصفات تقريبا وهي شخصية «رؤى» التي تسرد حكايتها (أنا) وحكاية والدتها (هي ) ومن خلال الـ «انا» تتدرج الرواية في البوح بتفاصيلها ومن خلال ما يختلج في اعماق هذه الشخصية تنتقل الكاتبة الى مناخات اخرى- دون ان تغادر المناخ النفسي للشخصية الرئيسية - استدعت حضور شخصية ثالثة في الرواية (انت) ومن خلالها تطرح الكاتبة نظرتها للحب وللعلاقة بين الرجل والمرأة وهي تنشدها في قمة مثاليتها وانسانيتها كما استدعت، المناخات، ايضا حضور شخصية رابعة (هو) وهي شخصية حضرت منذ بداية الرواية متخفية داخل شخصية «رؤى» تحملها تحت جلدها وتعيش اوجاعها بنفس القدر الذي تعيش به اوجاعها. فـ «هو» هو الاب الراحل الذي غادرها وبصم شخصيتها ببعض من شخصيته لتصل الرواية في نهايتها ومع فصلها الثالث الى استحضار مجموعة اخرى من الشخصيات صنعها خيال الكاتبة من وحي التاريخ.... (هم) مجموعة شخصيات حمّلتها منيرة رزقي نظرتها لحقبة من تاريخ تونس الحديث.

من خلال كل هذه الشخصيات تمكنت الكاتبة من كتابة رواية عاطفية وسياسية وتاريخية وقد حمّلت شخصياتها هذه مسؤولية صياغة الاحداث التي هي اما سرد لوقائع سياسية وتاريخية او حديث عن العلاقات العاطفية والإنسانية تدخلت فيهما براعة الكاتبة بشكل مدهش في التدرج في السرد او الحديث من ناحية وفي التفطن الى تفاصيل شكلت مجتمعة موضوع الرواية الذي جال في ثقافات عديدة وفي تجارب انسانية مختلفة وتطرق الى احداث سياسية ووقائع تاريخية تونسية وأخرى معاصرة كسقوط بغداد مثلا من ناحية أخرى.

الأدب إنساني أو لا يكون

رواية «قليل من الرغبة» جاءت مغرقة في الوفاء الى ثقافة الكاتبة التي استفادت منها بشكل خدم النص وأضفى عليه بعدا انسانيا دون ان يمس بجوهره كنص ارادته تونسيا بدءا من الشخصية الرئيسية «رؤى» التي ورثت الكثير من والدها المناضل الوطني وانتهاء بالبحث عن رفاق هذا الوالد ممن كانوا يؤمنون بمشروع الزعيم صالح بن يوسف.. هؤلاء الذين «اختاروا او اجبروا على ان يكونوا على هامش التاريخ رغم أنهم كانوا مركزه بامتياز».

فالرواية تونسية بالأساس تحضر فيها تونس ايضا من خلال المكان.. «جامع الزيتونة» و«شارع فلسطين» و«شارع الحرية» و«شارع فلسطين» و«مطار تونس قرطاج» ... مكان او هو امكنة تحمل هوية تونسية اوردت الكاتبة أغلبها مرفوقة بوصف هو بمثابة التأكيد اما على جمالها او على عراقتها او على الاثنين معا كما تحضر تونس كذلك من خلال بعض الاعلام والرموز ورواد الاصلاح مثل ابن خلدون والشابي وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد.

وكما تحضر تونس بأمكنتها ورموزها تحضر مناطق أخرى من العالم ببعض امكنتها وبعض رموزها كأن الكاتبة تريد ان تقول من خلال روايتها انها تدين بمبدإ الاعتزاز بالهوية والانتماء مع الدعوة الى الانفتاح كما انها تؤكد على ان الأدب انساني اولا يكون.

النثر بامتياز

في اولى تجاربها الروائية نجد منيرة رزقي تكتب التفاصيل الانسانية في اشد اللحظات عمقا، وهي توغل في هذه التفاصيل حتى انه يخيل الينا انها تكتب نفسها والاخرين الذين يشبهونها بقطع النظر عن الزمان والمكان. ومن خلال هذه التجربة ايضا يعيد ?ـ من قرأ قصص منيرة رزقي ـ اكتشاف نثرها الذي تكتبه بامتياز وفيه شاعرية تلمس الشغوفين بجمال اللغة العربية وبوطأة سحرها على نفوسهم.
والشاعرية في «قليل من الرغبة» تتأتى من قدرة الكاتبة على التعبير عن المعنى بكلمات مختارة من قاموس ثري ينم عن هوسها باللغة التي اختارتها لتدون به ابداعها.. فاللغة عند منيرة رزقي ابداع تخط به الابداع. «قليل من الرغبة» رواية مبنى ومعنى ورواية ذاكرة وحنين وهي ايضا رواية الانسان في أشد اللحظات توقا الى الانعتاق