mercredi 30 décembre 2009

محمود الذوادي يكشف في «الصحافة»: غابات النحلي تحتضر .. المعاول تقضم يابسها، ونيران الأسعار تلتهم أخضرها









غابات النحلي…«تحتضر»

المعاول تقضم يابسها ونيران الأسعار تلتهم أخضرها



تحقيق: محمود الذوادي



القانون فوق الجميع فمن ينتهكه ومن يمارس سياسة «الأرض المحروقة»؟

جبال النحلي المترامية الأطراف تكاد تصاب بالاختناق، معاول وآلات ضخمة تتربص بها من كلّ صوب في انتظار أن تتحوّل هذه المناطق من مناطق طبيعية خضراء تحفظ المحيط وتحمي الناس الى أراض مسخرة للبناء تدر على المقاولين الأموال الطائلة نظرا للموقع الاستراتيجي الذي تحتله هذه الغابات التي تقع على مشارف أكبر منتزه حضري كلف الدولة الكثير وقريبا من أحياء راقية (مثل حي النصر) التهبت فيها أسعار الأرض وفاضت بسكانها.
بسبب أهمية هذه المنطقة وحساسيتها (تمثل موقعا استراتيجيا بالنسبة للطيران المدني) تأخر اعداد مثال التهيئة لأكثر من اربع سنوات كيف لا وأسعار هذه الاراضي الغابية ظلت تقفز الى أعلى بشكل جنوني بعد أن فرّط فيها أصحابها بأثمان هزيلة خاصة منذ بداية التسعينات ربما لعدم قدرتهم على كسر القاعدة وتحويلها من مراع وأراض فلاحية الى حمّالة للمنازل والشقق الفخمة... أو لنقل لعدم صبرهم عليها أمام الاغراء المادي.
ألم يتناهى الى مسامعهم في ذلك الوقت أن المنطقة المتاخمة لهذه الاراضي ستعمر بأكبر المركبات التجارية والماركات العالمية وأن منازلهم الصغيرة وأحياءهم المتناثرة ستصبح محط الأنظار؟ ألم يعلموا أنهم حتى وان لم يقدروا على ترويض الـقانون مثل غيرهم، سيكون هذا القانون بعد حين في صفهــم؟! لو انــتظر هؤلاء مثال التهيئة لاختلف الأمر.

140 غابة مهددة
حسب دراسة لوزارة الفلاحة هناك 140 غابة من الغابات المحيطة بالمدن مهددة بالاكتساح وأغلب هذه الغابات تحوّلت الى مستودع للفضلات. ولعل وضع غابات النحلي يعدّ الأسوأ، انها تختنق وتتآكل في غياب القانون أحيانا أو لعدم وضوحه من الشرق ومن الغرب.
فمن الجهة الغربية وعلى مستوى منتزه النحلي وأطراف مدينة أريانة وحدود حي النصر بدأت تطل من قلب الهضاب والغابات العمارات وكأنها غرست غرسا.
في البداية كانت العملية محتشمة ولكنها توشك أن تتمادى وتتوسع بشكل منفلت، اذا ما تم التغاضي...
سعر هذه الارض قفز من بعض الدينارات الى الملايين والشقق التي تكاد تخنق منتزه النحلي تباع بأكثر من 200 ألف دينار (معدل سعر الشقق في هذه المنطقة أي حي الغزالة كان لا يتجاوز في السنوات الاخيرة الـ 50 ألف دينار).
ازدادت اللهفة مع التطور العمراني وانتشار المراكز التجارية التي تضاعف من حولها ثمن الاراضي الفلاحية في أقل من 12 سنة أكثر من 5 مرات وفي بعض المناطق تجاوز سعر الهكتار الواحد المائتي ألف دينار بعد ان كان لا يتعدى الـ 20 ألف دينار في بداية التسعينات.
هذا طبيعي ويمكن تقبله باسم التنمية والتطور العمراني ولكن عندما يطال الاستغلال الفاحش الغابة دون أن يكون ذلك من أجل مصلحة جماعية أو يستخدمها كوسيلة لترويض القانون فانّ الامر يبدو مفزعا.
حدّثني أحد حرّاس الغابة قال« في نطاق رصدنا للمخالفات رأينا في احدى المرات ألسنة النار تنبعث من المنطقة المتاخمة لمنتزه النحلي والقريبة من حي النصر وحين ضبطنا الفاعل وقررنا منعه من الاعتداء على الغابة والقيام بالاجراءات القانونية حصلت بعض الوساطات لغض الطرف «رحمة بالمواطنين»..

جدل حول مثال التهيئة

لماذا يصر مثل هؤلاء ولو بحرق الغابات في انتظار تبديل صيغتها مع ان القانون واضح، فالغابة المحروقة تظل على حالتها 7 سنوات وذلك حتى تتمكن من استعادة نموها وبالتالي لا يمكن «اذ احترم القانون» اعدادها للبناء.
يبدو ان الامر يتجاوز كل هذا والمستغلون ظلوا يحاولون استباق صدور مثال التهيئة العمرانية الخاص بهذه المنــطقة والعمــل على دس تلك الاراضي المحروقة داخل هذا المثال حتى يكـون الوضع القـانوني «سليما»!
الى حد علمنا يشهد اعداد مثال التهيئة جدلا واذا عرفنا ان معديه هم من افضل الكفاءات ويمثلون كل الاطراف التي تحمي الغابة والمصلحة العمومية فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن تمرير هذه «الحيل» وخضوع اللجنة «للامر الواقع»؟ للمعنيين بالامر رأي اخر سنتابعه في هذا التحقيق وليكن حجة عليهم في المستقبل..

سكان تحت الضغط العالي
عكس ما يحدث في الجهة الشرقية حيث الأحياء الراقية وحيث يتعلق المشكل ببعض كبار المستثمرين تشهد المنطقة الغربية المتاخمة لمنطقة رواد زحفا للبناء الفوضوي وكأن التساهل الذي حصل في الجهة الاخرى قد شجع النازحين ومحدودي الدخل على اجتياح اراض غير مجهزة وبناء مساكن حتى تحت «كابلات- الستاغ» ذات الضغط العالي والتي تقتضي حسب القانون وحسب القواعد الصحية «العالمية» ان تكون بعيدة عن مناطق العمران.
حين بدأ الزحف العمراني على هذه المناطق كان من الممكن ايقافه بتطبيق القانون وتوفير مساحات اخرى لهؤلاء السكان في مناطق مجاورة ولكن من الصعب الان ايقاف هذه الظاهرة وقد اصبحت المساكن تعد بالمئات..
وحين بدأ الزحف كان سعر هذه الاراضي في حدود الـ5 والـ10 دنانير اما الان فقد تضاعف سبع مرات!
يضطر المواطن البسيط لدفع مبالغ طائلة في ارض غير مجهزة وفي مساكن تهدد صحة الصغار والكبار، لقد اثبتت الابحاث ان السكن قرب كوابل الضغط العالي يخلف امراضا خطيرة منها سرطان الجلد..
في هذه المنطقة توشك ان تحدث كارثة بيئية فلا مصبات ولا طرق مجهزة وبعض العائلات ظلت تقترض الماء والكهرباء من الجيران!
السيد عادل السكوحي (ممثل ادارة الغابات ): تبديل صبغة هذه الغابات «جرائم» لا تقبل الصلح

صيحة الفزغ ونواقيس الخطر التي تقرع من اجل انقاذ غابات النحلي قبل فوات الأوان تجعلنا نهرع الى ابرز الجهات المعنية بحماية هذه الغابات ذلك ان هناك عدة اطراف متداخلة ومعنية وهي وزارات الفلاحة والبيئة والتجهيز الى جانب السلطات المحلية.
كيف تواجه ادارة الغابات ذلك الخطر المحدق بجبال النحلي وهل تملك بالفعل الصلاحيات الكاملة والسلطة لحمايتها؟ فالنوايا الحسنة والمجهودات الجبارة لا تكفي وحدها... من يملك خيوط اللعبة ؟.
والاهم من كل هذا هو هل ان المخاوف وصيحات الفزع التي تطلق مبالغ فيها؟ وهل ان ما يحدث امر عادي يحتمه التوسع العمراني وتضبطه القوانين ؟
قطعا ستكون توضيحات ادارة الغابات في هذا المجال شاهدا ووثيقة نظرا لعراقة هذه المؤسسة وخبرتها الطويلة التي تعود الى نهايات القرن التاسع عشر.
السؤال الاهم الذي طرحناه على السيد عادل السكوحي يتعلق بالمحاولات المتكررة لتبديل صيغة هذه الغابات من مناطق خضراء الى اراض سكنية ولان المسألة تبدو معقدة فالاجابة تحتاج الى الإفاضة في الامر.
يقول السيد عادل السكوحي : من المهم ان اشير في البداية الى ان تبديل صبغة الارض لايتم الا بأمر رسمي يتخذ في اعلى مستوى والهدف هو حماية الاراضي الفلاحية في المناطق التي تسمى بمناطق التحجير التي تنقسم الى المناطق السقوية العمومية والغابات.
هذا الامر ينسحب على الغابات الدولية وكذلك الخاصة الخاضعة لنظام الغابات ويتم تبديل الصبغة في حالتين : عند التوسعات السكنية وفي نطاق تحيين امثلة التهيئة الترابية او لانجاز مشاريع وطنية... وحول التجاوزات التي يمكن ان ترتكب خارج هذه الضوابط او محاولات القفز على هذه القوانين من طرف «جاهل » او «نافذ» يرد ممثل ادارة الغابات «مهندسو ادارة الغابات : هم ضباط واعوان الضابطة العدلية لهم الحق في تحرير محاضر جنح او جرائم واحالتها على وكيل الجمهورية، هناك مخالفات بسيطة يمكن اجراء الصلح حولها مثل قطع شجرة ولكن هناك مخالفات ترتقي الى صنف الجرائم الغابية والتي لا يخول فيه الصلح حتى من طرف السيد الوزير وقد جاء قانون 2005 ليصنف هذه الجرائم التي يصل فيها العقاب الى السجن مثل تغيير صبغة الغابة وكسر أشجارها وهذا ما ينص عليه الفصل 134 (جديد) : يجوز للوزير المكلف بالغابات ان يبرم صلحا قبل صدور الحكم النهائي بشأن الجرائم المنصوص عليها وعلى عقابها بهذه المجلة ( اي مجلة الغابات) والصلح تنقض به الدعوى العمومية بعد تنفيذه غير ان الصلح لا يشمل حالات العود وارتكاب الجرائم الخطيرة المنصوص عليها بالفصل 134 مكرر من هذه المجلة وكذلك الانتفاع بالصلح خلال السنتين السابقتين لارتكاب الجريمة الجديدة.
القانون واضح وحاسم فكيف يتم تطبيقه ولماذا تتواصل بعض التجاوزات على ارض الواقع؟ يقول السيد عادل السكوحي : نحن نقوم بواجبنا والعون محلف ويقوم بالاعلام في الابان عن اي مخالفة وضابط العدلية بعد محضر عدل لهذا الغرض فكل شخص قام بتكسير الغابة او تغيير صبغتها دون ترخيص يحرر بشأنه محضر جريمة غابية تحول نسخة منها الى وكيل الجمهورية والى السيد المدير العام للغابات بوزارة الفلاحة مع اعلام السلط الجهوية والمحلية.
وعلى المستوى القضائي يخول لممثل الغابات الحضور في المحكمة ويمكن ان تسخر القوة العامة لتنفيذ القانون ولنا الحق في الاستئناف عندما يحكم في بعض القضايا بعدم سماع الدعوى وكذلك التعقيب وبالنسبة للقضايا المستعصية يمكن للادارة العامة للشؤون القانونية والعقارية التابعة لوزارة الفلاحة ان تتدخل.

خطير جدا...
ادارة الغابات حررت عدة محاضر لما يجري من تجاوزات في منطقة النحلي وللاستدلال على ذلك يستشهد السيد عادل السكوحي بنسخة من محضر مصنف تحت عنوان «خطير جدا» ضد شخص انتهك القانون وتطبيق ما جاء في هذا المحضر كاف لردع المخالف خاصة اذا علمنا ان ادارة الغابات تمتلك صلاحيات تحديد حجم الضرر والغرامة التي يقتضيها.
يؤكد ممثل ادارة الغابات ان كل التجاوزات وقع رصدها وتحرير محاضر ضدها في الابان وعيون الاعوان لا تغفل لحظة كـما يقول محدثنا .
فاين الخلل خاصة بالنسبة لمن يتعمدون اشعال النار لتبديل صبغة الغابة. السيد عادل السكوحي يؤكدان القانون لم يغفل عن هذه الحيل وانه يحتم على المالك ان يبقي تلك المساحات حتى بعد حرقها على صبغتها الاولى اي مواصلة اخضاعها لنظام الغابات وذلك لمدة 7 سنوات.

من أجل تطبيق القانون أعوان الغابات مؤهلون للردع وتسخير القوّة العامة

اعطت مجلة الغابات لأعوان الغابات كل الصلاحيات الكافية لحماية الغابة فقد جاء في الفصل التاسع والعاشر من هذه المجلة ما يلي «ان الاعوان المؤهلين التابعين للادارة العامة للغابات لهم زي رسمي يضبط عدده وتركيبه ومتبوعاته.... ويمكن ان يسمح لهم بحمل السلاح الذي يبين نوعه ومميزاته وكيفية مسكه بقرار مشترك من وزير الفلاحة ووزير الداخلية... وانهم مؤهلين لتسخير القوة العامة لكشف المخالفات».
القانون ينص على هؤلاء ايضا وجوب تأدية اليمين القانونية، وبهذه الشروط من المفروض يكون العون مؤهلا للقيام بواجبه كما جاء القانون صريحا وواضحا بالنسبة لمرتكبي المخالفات فقد جاء في الفصل 132 و133 ما يلي:
ـ ان الاباء والأمهات والأولياء يتحملون المسؤولية المدنية عن الاضرار التي يرتكبها الاشخاص الذين هم في كفالتهم.
كما يتحمل المسؤولية المدنية الاعراف والذين أوكلوا لغيرهم القيام بأشغالهم عن الأضرار التي يرتكبها جميع الأشخاص المستخدمين عندهم أثناء قيامهم بالوظائف المنوطة بعهدتهم.
ان الاشخاص الذين يتسببون في ارتكاب الجنح بالوعود او بالتهديدات وبالتعليمات والذين يبذلون عن بصيرة الوسائل لارتكابها او يمدون المساعدة على الاعمال الممهدة او المسهلة أو المتممة لوقوعها يعاقبون بمثل العقاب الذي ينال الفاعلين الاصليين ويلزمون بالتضامن بينهم بدفع الخطايا والتعويضات المدنية والمصاريف.
كما جاء في الفصل 134 (مكرر) ما يلي :
تعتبر الجرائم التالية خطيرة ولا يمكن ابرام الصلح بشأنها:
1 ـ الحرائق الناتجة عن عدم احترام مرتكبيها الاحكام الواردة بالقسم الرابع من الباب الثامن من العنوان الاول من هذه المجلة.
2 ـ جرائم الحرث والتكسير وقطع الاشجار والرعي المرتكبة بمناطق اقرار كثبان الرمال المحدثة بمقتضى أمر طبقا للفصل 149 من هذه المجلة.
3 ـ جرائم تكسير الغابات ومنابت الحلفاء.
4 ـ الحرائق والصيد والاستغلال الفلاحي والصناعي والتجاري والرعي واستخراج المواد واهمال الحيوانات الاهلية وتكسير الغابة المرتكبة بالحدائق الوطنية او المحميات الطبيعية او غابات النزهة او محميات الصيد.
5 ـ صيد واتلاف ومسك وبيع وهبة وشراء انواع الحيوانات والنباتات البرية النادرة والمهددة بالانقراض.
6 ـ الصيد في غير مدة فتحه القانونية.
7 ـ الصيد بالليل وعند نزول الثلوج.
8 ـ استعمال الوسائل والمعدات المنصوص عليها بالفصل 173 من هذه المجلة للصيد او المطاردة.
9 ـ الاتجار في المصيد القار والحيوانات البرية النادرة والمهددة بالانقراض خلافا للتشريع الجاري به العمل.
كما لا يمكن ابرام الصلح في الجرائم المنصوص عليها بالفصول 22 و41 و96 و115 و123 و195 من هذه المجلة.

حكايات وشهادات مثيرة

في طريقنا الى بقايا بعض هذه العائلات التي باعت اراضيها في التسعينات بحوالي 7 دنانير للمتر الواحد (وهي اراض تطل على منتزه النحلي) صادفنا مجموعة من النساء والاطفال الصغار يملؤون المسلك الجبلي حبورا كانوا يوسعون الخطى في اتجاه اسفل الوادي حيث دوار او مجمع سكني لبعض الاقرباء.
هناك سيحضرون عرسا لأحد الاقارب..
ورغم صوت المعاول القادمة من اطراف حي النصر والتي كانت تشق هذا السكون الجميل والاصوات المرحة فانهم كانوا منشغلين ومستمتعين بهذه الغابات الخضراء.
ليفعلوا ذلك ما استطاعوا فقريبا ستمتد انياب هذه المعاول الضخمة الى سفح جبل النحلي وقريبا سيرحلون عنها بعد ان تتحول من اراض بسيطة الى مبان شاهقة.
الان يواصل هؤلاء السكان استغلال هذه الارض ولكن من حق المستثمر صاحب الاملاك ان يطالبهم بالرحيل في اي وقت.
والان يشعر بعضهم بالندم على التفريط في الارض رغم ان الاسباب التي دفعتهم الى ذلك قبل سنوات كانت اسباب موضوعية فالارض يومها كانت ملكا جماعيا وثمنها كان معقولا مقارنة بمعدل الاسعار في اقليم تونس، هذا فضلا عن الوضعية العقارية لبعض المناطق.
احدهم استطاع ان يتمسك بقطعة صغيرة لا تتجاوز الـ200 متر مربع وكأنه اراد ان يعوض بعض مافات فأحكم سياجها وحدد لها سعرا مشطا (150 د للمتر الواحد) رغم انها تساوي حتى في الوقت الحاضر اقل من ذلك بكثير فهي غير مجهزة..ميزتها الوحيدة انها ستكون غدا مجاورة لاحياء سكنية ومركبات تجارية ضخمة.
قصة اخرى مشابهة لحكاية هذه العائلات ففي منتصف التسعينات قامت احدى الاسر ببيع قطعة ارض تقع قريبا من منطقة النحلي الى احد المستثمرين المعروفين وهو واحد من الذين هرعوا الى هذه المناطق وقد ادركوا انه سيكون لها بعد سنوات قليلة شأن عظيم.
ثمن هذه القطعة حسب عقد البيع كان في حدود 19 الف دينار والعقد قانوني ولكن ابناء صاحب الارض يروون قصة غريبة ويملكون بعض الوثائق المدعمة، يقول احدهم: حين باع والدنا ارضنا وكان مريضا لا يحق له التصرف حسب شهادة طبية كنا متفقين على ان السعر لن ينزل اقل من 190 الف دينار ولكن لا ندري ماذا حدث مع والدنا..ما قبضه كان هزيلا للغاية ولا نعلم كيف وقع امضاء العقد فهذه الارض كانت تساوي اكثر من ذلك بكثير..
اكيد ان هذا الكلام يطرح عديد الاسئلة وعلينا ان نتفهم حرقة هؤلاء الذين يموتون ندما على التفريط في ارضهم ولكن محدثنا يسوق دليلا وحجة دامغة: يقول بعد اشهر قليلة رهن المستثمر هذه الارض التي دفع فيها لوالدنا اقل من 20 الف دينار وذلك مقابل قرض بنكي بحوالي 500 الف دينار..
ماذا يعني هذا؟
دون الدخول في تفاصيل هذه القضية، اكيد ان اللوم يقع على اصحاب الارض وليس على المستغل الذي مارس عليهم اقتصاد السوق اما بالنسبة للخلل القانوني فقد سألت محدثي، اذا كان لديهم ما يثبت ان العقد مشكوك فيه وان والدهم غير مؤهل للتصرف فلماذا لم يلتجؤوا يومها الى القضاء..
لقد اصيبوا في مقتل بسبب حسن النية ..لقد فات الاوان... مضى زمان واستفاقوا ذات صباح ليكتشفوا ان هذه الارض التي فرطوا فيها بسعر هزيل تبيض ذهبا..

المقاطع الحجرية مشكلة أخرى
قبل حوالي 20 سنة كانت غابات النحلي تعاني من مشكلة أخرى غير التهافت على أراضيها، انها المقاطع الحجرية.
ورغم أنّ هذه المقاطع قد مثلت ثروة ولعبت دورا كبيرا في تجهيز البنية الاساسية خاصة بالنسبة لتونس الكبرى فانها توشك أن تمثل مشكلة بيئية مما جعل الجهات المعنية تضع ضوابط من أجل كف هذا النزيف وعدم الافراط في استغلال تلك الجبال.
ادارة الغابات تخوض يوميا لعبة القط والفأر مع بعض المستغلين من أجل تحديد المساحات المخصصة للاستغلال والمحافظة على الاشجار المحيطة بها... الأمر وصل الى المحاكم ومع أن القانون واضح بالنسبة لعديد المقاطع التي تقرر اغلاقها فان هناك من يحاول استعمال كل الوسائل لمواصلة استغلالها.

لماذا تأخر إعداد مثال التهيئة؟
التوسع العمراني في منطقة النحلي يواجه مشكلين رئيسيين ولهذا تأخر اعداد مثال التهيئة لاكثر من 4سنوات المشكل الاول يتعلق بديوان الطيران المدني فحسب احد الخبراء تعد هذه المنطقة رواقا رئيسيا لكل الطائرات التي تقلع من مطار تونس قرطاج وامن النشاط الجوي يفترض مراعاة المجال اللازم والمواصفات الدولية عند اعداد اي مثال عمراني للغابات والمناطق المتاخمة للنحلي» رأي ديوان الطيران اذن سـيكون حاسما والمسألة تحت الدرس منذ 6 اشهر .
المشكل الثاني يتمثل حسب نفس الخبير في طبيعة هذه المنطقة المحاطة بعديد الوديان ورغم انها مهددة بالفيضانات خاصة على مستوى برج التركي فان النشاط العمراني متواصل حتى قبل صدور مثال التهيئة بماذا نفسر هذا ؟
يقول احد المسؤولين ببلدية اريانة « من سمح لهم باقامة مشاريع سكنية في هذه المناطق المتاخمة لحي النصر تمكنوا من الحصول على رخص لتقسيم الاراضي وذلك بموافقة كل المؤسسات الجهوية اعتماد على الفصل 60 من مجلة التهيئة والعمران».
وهل يمكن اعتماد مثل هذا القانون قبل صدور مثال التهيئة الجديد؟
يجيب نفس المسؤول : اصبح ذلك ممكنا بعد ان خضع مثال التهيئة الى قراءة اولى غير ان هناك مناطق يسمح فيها لهؤلاء بالبناء واخرى ممنوع نظرا لانها تحتوي على مكونات طبيعية مثل الاودية والغابات.
اما كيف يمكن تحديد هذه المناطق بعيدا عن الاجتهاد الشخصي فيضيف :
عندما يرسل مثال التهيئة الى ادارة الغابات تقوم باستثناء المناطق الغابية ويراعى في ذلك المحافظة على المكونات الغابية ومجاري المياه والاحواض.

تصوير: عبد الفتاح بلعيد