mardi 13 novembre 2012

حركة النهضة وخطاب التهدئة ... الحيلة في ترك الحيل



بوضوح 

حركة النهضة وخطاب التهدئة
الحيلة في ترك الحيل...

بقلم: زياد الهاني


حدثان هامان حصلا يوم الأحد وقد يؤشران لدخول المسار الانتقالي في بلادنا مرحلة جديدة من شأنها أن تؤدي بها إلى بر الأمان.

الأول هو انعقاد الاجتماع العام لحركة نداء تونس في منطقة المنزه بتونس العاصمة دون مشاكل تذكر بعد أن توعد بعض المحسوبين على ما يسمى بروابط ومجالس حماية الثورة، التي لا يخفى ارتباطها بأجندات حركة النهضة، المشاركين في هذا الاجتماع بالويل والثبور وسوء عاقبة الأمور.

أما الثاني فهو خطاب التهدئة الذي توجه به زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في اجتماع عام في المهدية وتركيزه على إذكاء جذوة حب العمل وإعلاء قيمته وشأنه في وقت يشتكي فيه مئات آلاف الأشخاص من البطالة، والحال أن قطاعات عديدة تشكو من نقص مريع في اليد العاملة. بل أن صابة الزيتون التي أنعم علينا بها المولى هذا العام مهددة بالضياع لعدم توفر من يجمعها!!؟

للسيد راشد الغنوشي مكانة مركزية في حركة النهضة وفي الساحة السياسية الوطنية. لذلك لا يمكن لخطابه عندما يكون متشنجا إلاّ أن يساهم في تعكير المناخ السياسي العام، ويفتح طريق ممارسة العنف أمام الحلقات الأدنى المرتبطة به والتي لا تملك نفس قدرته على ضبط النفس. وعندما يكون خطابه هادئا وجامعا وبنّاء فالنتيجة تكون حتما ذات انعكاس ايجابي على المناخ السياسي والوضع العام في البلاد في مختلف مجالاته.

فالتمسك بسياسة السعي لإقصاء حركة نداء تونس عن الفعل السياسي لما تمثله من ثقل محتمل قادر على تعديل كفة حركة النهضة، التي لم يفتأ عديد قيادييها يحقّرون من شأن باقي خصومهم السياسيين الذين ينعتونهم بجماعة «صفر فاصل»، قد يعود بالوبال على حركة النهضة نفسها التي قد تخسر المكاسب التي حققتها عبر صناديق الاقتراع بشرعية وطنية ودولية لا غبار عليها. والوضع الذي تشكل ليفسح المجال أمام إسقاط الرئيس الأسبق بن علي، الذي طغى وأعماه شعوره بالقوة على الاستماع إلى نصح الناصحين وطنيا ودوليا وإنجاز تحول ديمقراطي بعيدا عن منطق الإقصاء الذي ذهب به دون رجعة، سيتكرر إذا انتهجت قيادة النهضة سياسة خاطئة كتلك التي اعتمدتها في مواجهتها للسلطة القائمة في بداية التسعينات.

فبلادنا تحتاج اليوم قرارا حاسما من الفاعلين السياسيين وأساسا من قيادة حركة النهضة يقطع مع عقلية الإقصاء التي يحاول البعض استبلاه التونسيين من خلال التلاعب بالألفاظ وتقديمها على أنها حماية وحصانة للثورة والحال أنها إقصاء مفضوح لطرف سياسي قوي منافس، واستفراد بساحة ضعيفة تسهل الهيمنة عليها. لكن دون التخلي عن مبدإ المحاسبة وتحميل المسؤولية لكل من أجرم في حق تونس عبر مسار عدالة انتقالية شفافة.

فتونس اليوم تحتاج جهود كل أبنائها دون إقصاء ولا استثناء، إلاّ لمن أدانه القضاء وقالت فيه هيئة العدالة الانتقالية كلمتها... والحيلة في ترك الحيل.

وأيّة انتخابات قادمة وما ستفرزه من نتائج لن تكتسب مشروعيتها من منطق الغلبة والقدرة على تمرير القوانين الإقصائية التي تصادر الثورة تحت غطاء تحصينها، ولكن بما تحققه من التفاف أكبر طيف من التونسيين حولها واعتراف دولي بها.

لكن قبل ذلك كله وما نحتاجه بشكل عاجل ومتأكد، هو التأكيد على الدعوة للعمل وحث الناس عليه. لأن التواكل ومنطق الربح السهل واللقمة الباردة وتعطيل الإنتاج هو الخطر الأكبر الذي يهدد بلادنا التي يعيش اقتصادها وضعا حرجا يهدد بالانهيار إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

 المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2012