vendredi 1 juin 2012

هزلت حتى سامها كلّ مفلس : مسؤولون جدد يتطاولون على قامات لا يطالونها


http://www.essahafa.info.tn/clear.gif
مجرّد رأي

هزلت حتى سامها كلّ مفلس
مسؤولون جدد يتطاولون على قامات لا يطالونها


بقلم: زياد الهاني


     السياق الثوري الذي تعيشه بلادنا منذ 14 جانفي 2011 فسح المجال أمام طاقات وقوى جديدة كي تعبّر عن نفسها وتدلي في الشأن العام بدلوها وتساهم في نحت حاضر تونس وصياغة مستقبلها.
ومن هؤلاء شباب جعلتهم ظروفهم ـ وكل له اسبابه ـ يهاجرون إلى الخارج حيث ساهموا كل بقسطه في مقاومة النظام السابق ولو افتراضيا على شبكة الانترنات وكشف فساده وتجاوزاته.

     بعض هؤلاء قادتهم المصادفة التاريخية في سياقها العام إلى احتلال مواقع متقدمة في الدولة، فمنهم الوزير ومنهم المستشار. لكن يبدو أن سحر كرسي الحكم وإغراءاته جعلهم يفقدون توازنهم فأمسوا يتصرفون كذئاب جائعة وقعت على فريسة لا تريد الفكاك عنها، فانبرت شاهرة أنيابها ومخالبها ومزمجرة بعوائها تجاه كل من تعتقد أنه قد يهدد انفرادها بفريستها!؟

     ولو كان استئساد هؤلاء موجها لمن هو من جيلهم وفي مستوى تجربتهم «النضالية» المحدودة، لكان  الامر مفهومها وداخلا في إطار التدافع الطبيعي من أجل مواقع القرار حتى وإن شابته بعض الانحرافات أو الغلوّ. أما أن يستأسد هؤلاء الذين قادوا مقاومتهم الخارجية من نعيم أوروبا والولايات المتحدة ورحاب فنادقها الفخمة وفي شاشات القنوات الدولية، على رموز وطنية عجنت من طينة النضال، فالأمر يبعث حقيقة على العجب! ويؤشر الى وجود أزمة قيمية حقيقية لدى هؤلاء الذين طالما ادعوا أنهم حملة قيم!؟

 
   ما دفعني للكتابة والخوض في هذا الموضوع هو تصريح لقناة الجزيرة القطرية نقلته جريدة يومية صادرة صباح الاربعاء 30 ماي 2012 عن أحد المستشارين الجدد لرئيس الجمهورية يلاحظ فيه أن «الاطراف التي أرادت مشاركة بن علي في الحكم قبل 14 جانفي تدعو اليوم إلى حل الحكومة» وذلك في إشارة إلى دعوة مي الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري وكذلك الاستاذ أحمد نجيب الشابي في مقال له مؤخرا إلى تكوين حكومة انقاذ وطني.

     وقبل المستشار انبرى وزير شاب من نفس حزب الرئيس في أحد البرامج التلفزية مدافعا عن فكرة الإقصاء الجماعي ومتهجما على كل الوزراء الذين خدموا حسب قوله مع بن علي. علما بأنه سبق له شخصيا في 2009 مناشدة رأس الدولة طي صفحة الازمة مع الاسلاميين والإشادة بوزرائه!؟

     المستشار والوزير ومسؤولون آخرون بما في ذلك في لمجلس الوطني التأسيسي من الذين التحقوا بالمسار الثوري بعد سقوط نظام بن علي واحتلوا مواقع متقدمة في الدولة لم يتهيؤوا لها وواضح أنهم لا يملكون الأهلية اللازمة لإدارتها، لا يعرفون أو لعلهم تناسوا أن السياسة في تعريفها العام هي «فن التعامل مع الممكن». وبقدر ما تتطلب من صلابة مبدئية فهي تستوجب قدرا من المرونة الكفيلة بتعزيز القدرة على المناورة دون التخلي عن الثوابت.

     فأحمد نجيب الشابي قاد حزب معارضة حقيقي كان رأس الحربة في مواجهة نظام بن علي ولقي في سبيل ذلك ما لقيه من صنوف المضايقة والاعتداء مما كنت  شاهد عيان على بعضه، وكذلك بالنسبة إلى مي الجريبي.
أقول هذا ليس دفاعا عن الرجل رغم ما لحقني من جهته من أذى، ولكن دفاعا عن الحقيقة وعن قيمة حقيقة هي تقدير مواقف الرجال حتى وان كنت على خلاف معهم. تلك هي إحدى  مقومات الرجولة بمفهومها الاعتباري القيمي، والتي تجعل مي الجريبي مثلا رغم نعومتها الانثوية أكثر رجولة بنضالها وثباتها من عديد «الرجال» الذين انتصبوا اليوم لإعطائنا الدروس في الثورية والوطنية «الكرسوية» والتطاول على قامات لن يطالوها أبدا حتى لو كتب لهم أن ينبعثوا للحياة من جديد، لأن ما بالطبع لا يتغير وفاقد الشيء لا يعطيه.

     قبل أيام استمعت إلى تدخل رائع للأستاذ الحبيب بن يحيى الوزير السابق للخارجية في عهد بن علي والأمين العام الحالي لمنظمة اتحاد دول المغرب العربي، فقلت في قرارة نفسي: يا سبحان الله هذا وزير.. وذاك وزير!!؟
بلى والله.. هزلت حتى سامها كل مفلس!؟


المصدر: جريدة "الصحافة" الصادرة يوم الجمعة 1 جوان 2012