lundi 2 avril 2012

الولاة... والحياد الجمهوري المطلوب


الولاة... والحياد الجمهوري المطلوب

أثارت التعيينات الأخيرة في سلك الولاة جدلا على الساحة الوطنية بسبب انتماء معظمهم الى حركة النهضة. وإذا رأى انصار هذه الحركة الأمر طبيعيا من منطلق أن من يحكم له الحق في أن يقوم بالتسميات في الوظائف العامة، يرى مخالفوهم أن ما حصل خطير ويمثل توجها نحو إعادة ربط الحزب الحاكم الجديد بهياكل الدولة وهو ما أعتقد التونسيون أنهم تخلصوا منه الى الأبد بفضل السياق الثوري الذي يعيشونه.

الاشكالية تطرح كذلك من زاوية أخرى وهي أن حركة النهضة وإن كانت الحزب الاقوى حاليا على الساحة الوطنية وحزبا يحكم، إلا أن لها شريكين آخرين في الحكم هما حزبا التكتل والمؤتمر. ومن هنا وجب التساؤل: هل يحق للشريك في الحكم أن ينفرد بالقرار في شؤون الحكم وحده بمنأى عن شريكيه؟ صحيح أن أوضاع ثنائي الترويكا الضعيف لا تعجب بسبب ما يعيشه من صراعات وانقسامات. وصحيح كذلك أن الانسجام بين أطراف الحكم ليس في أحسن حالاته وصولا للتباين العلني والحاد أحيانا. لكن صحيح كذلك أنه كان بإمكان النهضة بحث موضوع التسميات مع شريكيها على الأقل وفي أضيق الحلقات إن لزم الأمر كاللقاء الدوري الأسبوعي للرؤساء الثلاث ضمانا لحد أدنى من التوافق.


الوالي يمثل العمود الفقري للإدارة الجهوية. وإمكانية تدخله وتأثيره في الانتخابات القادمة حتى إن أشرفت عليها الهيئة المستقلة للانتخابات لا تخفى على ذي نظر. الإدارة المركزية تعج بالكفاءات الوطنية المستقلة من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة الذين كان بالإمكان الاستفادة منهم. فالحياد الاداري بالنسبة للوالي أمر حميد ومطلوب حتى يتعامل مع كل الفرقاء السياسيين دون محاباة وعلى نفس المسافة. كما يتعامل مع المواطنين ويسهل شؤون معيشتهم باعتباره ممثلا للدولة، دولة التونسيين جميعا وليس ممثلا لحزب.


تجربة النظام السابق أثبتت أن الولاة المعينين من الادارة المركزية لوزارة الداخلية كانوا الأكثر التزاما بتطبيق القانون والأقل مجاملة للحزب الحاكم السابق، وأن الولاة والمعتمدين القادمين من لجان تنسيق التجمع المنحل وجامعاته كانوا الأكثر تحايلا على القانون وانحيازا لخدمة أنصار حزبهم. تلك هي ميول النفس البشرية ونوازعها التي قد تتغير العناوين أما هي ففي خطوطها العريضة لا تتغير.


لذلك فالمطلوب اليوم وبلادنا في مرحلة إعادة بناء على جميع الأصعدة أن نفكر في آلية تجعل الوالي والمعتمد أعوانا إداريين ممثلين للدولة تتوفر فيهم صفة الحيادية ويفرضون تطبيق القانون على الجميع دون استثناء أو محاباة، في حين يكون للمجالس الجهوية والمحلية رؤساء منتخبون عن القائمات الحزبية والمستقلة المترشحة. فيكون بالتالي للسياسي مجال تحركه وفعله وتأثيره، وللدولة عصبها وهيكلها المستقل الضامن لديمومتها والحامي لقيم الجمهورية ونظامها.

زياد الهاني

افتتاحية جريدة "الصحافة" ليوم الأحد 1 أفريل 2012