samedi 18 février 2012

رغم الأخطاء الحاصلة : لا مجال للعودة بالإعلام إلى مربّع التهديد والاستبداد



مجرد رأي

رغم الأخطاء الحاصلة
لا مجال للعودة بالإعلام إلى مربّع التهديد والاستبداد


بـقلم: زياد الهاني

عند أيّ مدى تقف حرية الصحافة؟ وكيف يمكن التعامل مع التجاوزات؟
الموضوع عاد ليطرح بقوة أمس ومساء أمس الأول على خلفية صورة فاضحة نشرتها إحدى الصحف اليومية يوم الأربعاء ونتج عنها إيقاف مدير الصحيفة ورئيس تحريرها ورئيس قسم الأخبار العالمية فيها.
نلاحظ في البداية أن تونس تعيش وضعا انتقاليا على جميع الأصعدة بما في ذلك المنظومة الإعلامية التي تتلمس سبل التخلص من الإرث الاستبدادي الذي كان يكبلها وجعلها أداة للدعاية الفجة وللمغالطة والتزييف. وفي عملية التحول الجارية من الطبيعي أن تقع أخطاء نرى أن تصحيحها يكون داخل هياكل المهنة وليس عبر الزجر والقضاء.

لا خلاف في أن الحرية ليست مطلقة وهو ما يقره الفصل 19 الشهير من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومن محدداتها المحصورة حماية الأخلاق العامة. لكن منع أهل المهنة من تطوير أدائهم الصحفي من خلال الإصلاح الذاتي لما يمكن أن ينشأ من أخطاء والتعديل من خلال العمل على تجاوز هذه الأخطاء والالتجاء إلى الإيقافات التي يتم فيها التعسف في استعمال سلطة القانون والملاحقات القضائية، ليس من شأنه المساعدة على الإصلاح بقدر ما من شأنه أن يشيع مناخ الترهيب والخوف ويعود بنا بالتالي إلى المربع الصفر ويلغي كل التطور الحاصل بعد 14 جانفي 2011.

لا يخفى على متابع حصيف مساعي بعض القوى الباحثة عن التنفذ لخلق حالة إرباك تمكنها من وضع يدها على الإعلام وتوظيفه لصالحها. وعديدة هي التحركات الاحتجاجية التي شهدناها أمام بعض المؤسسات الإعلامية والشعارات التي رفعها بعض المتشنجين لتكفير الإعلام والمطالبة بإعدام العاملين فيه!!؟

لكن هؤلاء اللاهثين خلف السراب يظنّونه ماء، لن يجدوا غير الخيبة في مساعيهم لأن الإعلام الذي تحرر
بفضل الإرادة الجماعية لأهله وصلابة مناضليه والدماء الزكية للشهداء لن يسمح بعودة عجلة التاريخ إلى الوراء ولن يفسح المجال للاستبداد الذي أطرده التونسيون من الباب ذات يوم مشهود بالعودة من النافذة لذلك من المتأكد توفير الضمانات القانونية لحماية الحرية ومنع مصادرتها تحت أية ذريعة كانت.

الحادثة التي نحن بصددها ما كان لها أن تحصل لو كان صوت صحفيي الجريدة مسموعا وفاعلا من خلال مجلس تحرير لهم يفرض احترام أخلاقيات المهنة وضوابطها ويمنع الزيغ عنها. وإذا كانت مجالس التحرير المنتخبة في المؤسسات العمومية تختص إلى جانب حفاظها على أخلاقيات المهنة بالحفاظ على خط تحريري مستقل لها يمنع توظيفها لفائدة أية جهة كانت فهي في المؤسسات الخاصة لا تتدخل في الخط التحريري الذي يحدده أصحاب هذه المؤسسات لكن دورها هام وأساسي في فرض منتوج إعلامي يحترم الضوابط المهنية ويكون في مستوى استحقاقات الثورة وتطلعات التونسيين المتعطشين لإعلام يليق بهم وبثورتهم التي أبهرت العالم.

جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الجمعة 17 فيفري 2012