mardi 7 février 2012

الدبلوماسية والمصلحة الوطنية



الدبلوماسية والمصلحة الوطنية

وسط التجاذب السياسي بين أحزاب الحكم والمعارضة حول موقف الحكومة التونسية القاضي بقطع العلاقات مع سوريا، جاء موقف الاتحاد العام التونسي للشغل وسطيا ومتسما بالحكمة والمبدئية حيث أكد دعمه المطلق لحق الشعب السوري في الحرية والانعتاق والنضال ضد الاستبداد منددا بالمجازر الدائرة على أرض سوريا ومدينا للقمع الوحشي الذي تجابه به السلطات السورية مطالب الشعب مع تأكيد رفضه للعنف الذي أودى بحياة الآلاف من مدنيين وعسكريين وينذر بحرب أهلية. لكن الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الوطنية العريقة التي كافحت ضد الاستعمار وساهمت في بناء الدولة الوطنية المستقلة، لم يتوقف في تعاطيه مع الأزمة السورية الخطيرة عند جانبها الحقوقي المتفق عليه إنسانيا حيث نبه إلى خطورة التدخلات الأجنبية التي تتخذ من صمود السوريين ذريعة لإحكام السيطرة على المنطقة. واعتبر القرار الرسمي التونسي سواء على مستوى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة «متسرعا ومرتجلا غير مدروس لم يراع مصالح تونس ولم يحترم دورها بعد الثورة في إرساء علاقات عربية لا تتأثر بالتدخلات الخارجية» داعيا إلى مراجعته والعودة لاستشارة المجلس الوطني التأسيسي بخصوصه.
ومن دواعي الاستغراب أن الدول المنخرطة بشكل مباشر في الحرب على النظام السوري تسليحا وتمويلا ودعما إعلاميا لم تقطع علاقاتها مع حكومة دمشق محافظة على «شعرة معاوية» في العلاقة معها وفي ذلك مراعاة لمصالحها ولاحترام أصول الدبلوماسية التي تجيدها دبلوماسيتنا المتأصلة في عراقتها والتي التزمت دائما مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير تماما كرفض التدخل في شؤوننا الوطنية لكن يبدو أنها للأسف تعيش الآن حالة من فقدان التوازن يمكن ربطه بوضع الاهتزاز العام الذي تعيشه بلادنا على مختلف الأصعدة وهي تدخل مرحلة انتقالية ثانية يؤمل أن ترسو بها على شاطئ الأمان.
ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن التحرك الغربي وما يجذبه معه من توابع ينطلق من اعتبارات إنسانية تنتصر للشعب السوري الذبيح فسوريا قاعدة ارتكاز إقليمية لها وزنها في الصراع العربي الإسرائيلي وحكومة دمشق وفرت الدعم والغطاء للمقاومة في فلسطين وفي جنوب لبنان عندما كان الاستسلام هو الخيار الوحيد المطروح على العرب الغارقين كل في همومه.
لذلك قد يكون من الأفضل التريث في متابعة تنفيذ قرار هناك شبه إجماع على طابعه المتسرّع ومن شأنه التأثير على المصلحة الوطنية وكذلك على موقف القوى المناهضة للاحتلال الإسرائيلي بمختلف تشكيلاتها.
زياد الهاني


افتتاحية جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الثلاثاء 7 فيفري 2012