samedi 18 février 2012

تحوّلت من أداة للإصلاح إلى عائق أمامه : مـا المطلـوب من هـيئة إصــلاح الإعــلام؟



مجرد رأي

تحوّلت من أداة للإصلاح إلى عائق أمامه

مـا المطلـوب من هـيئة إصــلاح الإعــلام؟

بقلم زياد الهاني


التصريحات المتتالية أخيرا للسيد كمال العبيدي رئيس الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال تبعث على التساؤل حول مدى الوعي بطبيعة دور الهيئة والمهام الموكولة إليها.

فالهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال مثلما نص عليه المرسوم عدد 10 المؤرخ في 2 مارس 2011 المحدث لها تتولى:

ـ تقديم مقترحات حول إصلاح الإعلام

ـ تقييم وضع الإعلام بمختلف جوانبه

ـ اقتراح تصورات كفيلة بالارتقاء بالمؤسسات الإعلامية والاتصالية إلى مستوى أهداف الثورة وحماية حق الشعب التونسي في إعلام حر وتعددي ونزيه.

ـ اقتراح التشريعات اللازمة لتحقيق ذلك ومنها إحداث هياكل تعديلية مستقلة في قطاع الصحافة المكتوبة والقطاع السمعي البصري وقطاع الإعلام الالكتروني.

ـ إعلام الرأي العام بحصيلة التقييم والمقترحات

ـ إبداء الرأي بشأن المطالب المقدمة لإحداث قنوات إذاعية أو تلفزية في انتظار صدور نص خاص في الغرض.

ولم يكن للهيئة أن تنجح في مهامها إلا بتشريك كافة الأطراف المهنية في أعمالها لكنها اختارت منذ البداية إقصاء أصحاب المؤسسات الإعلامية بدعوى أنهم «مناشدون سخروا أنفسهم في السابق لخدمة نظام مستبد».
كما أن تفويضها الاستثنائي من قبل الوزير الأول السابق السيد الباجي قائد السبسي الذي امتنع عن ممارسة صلاحياته القانونية في تعيين مسؤولين في قطاع الإعلام لترشيح مديرين لإذاعتي «شمس» و«الزيتونة» وجريدة «الصباح» التي صادرتها الدولة من أصهار الرئيس الأسبق جعل هيئة كمال العبيدي ترى نفسها صاحبة رأي إلزامي في تعيين مديري المؤسسات الإعلامية وبلغ بها الأمر حد مطالبة الحكومة التي تستمد سلطتها من الشعب بالتراجع عن تعيين مدير جديد لإذاعة «الزيتونة» لإخراجها من أزمتها والدعوة إلى تنفيذ حكم قضائي بتمكين المديرة السابقة التي اقترحتها الهيئة على الحكومة السابقة من العودة لممارسة مهامها رغم أنها لا تستمد شرعيتها في ممارسة هذه المهام إلا من خلال تعيين الحكومة لها!؟

ورغم إجماع الأطراف المهنية من نقابات وجمعيات في الرسالة التي سلموها يوم 1 فيفري 2012 إلى رئيس المجلس الوطني التأسيسي على الدعوة إلى الدفع باتجاه استكمال المنظومة التشريعية المرتبطة بالإعلام بما من شأنه أن يعزز الحريات ويحميها والمطالبة بفتح حوار جدي وبنّاء حول هذه المنظومة لضمان حقوق ومصالح كافة الأطراف العاملة في قطاع الإعلام إلا أن رئيس الهيئة مصرّ على التعامل مع المرسومين عدد 115 و116 لسنة 2011 المنظمين لقطاع الإعلام على أنهما قرآن منزل لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه!!؟

لقد حصل اتفاق بين أطراف المهنة على ضرورة تطوير هذين المرسومين بتعزيز ضمانات الحرية فيهما دون المس من حقوق الصحفيين التي تحتاج بدورها للتعزيز خاصة من خلال إضافة فصل يؤكد دون لبس اختصاص هذين المرسومين حصريا في قضايا النشر بالنسبة للصحافة المكتوبة والالكترونية والبث بالنسبة للإعلام السمعي البصري وإلغاء كل النصوص القانونية المخالفة وهو ما كان سيجنبنا لو تحقق ملاحقة مدير جريدة «التونسية» وصحفييها قضائيا واعتقالهم التعسفي غير المبرر مع إفساح المجال للهيئات المهنية وحدها لردع التجاوزات والأخطاء التي قد تحصل ومنع تكررها وكذلك إحداث هيئة وطنية مستقلة للصحافة المكتوبة مثلما هو مطلوب من الهيئة تقديم مشروع فيه.
ما نخشاه حقا هو أن تكون العقدة كامنة في الفصل 47 من المرسوم عدد 116 المتعلق بالقطاع السمعي البصري والتي تخول هيئة العبيدي تعيين أعضاء الهيئة المستقلة للقطاع السمعي البصري إلى حين إجراء انتخابات بعد إقرار الدستور الجديد وانتخاب هيئات تشريعية وتنفيذية تأسيسا عليه وواضح أن هنالك من لم يفهم بعد للأسف أن عهد الوصاية على الإعلام قد ولّى بقطع النظر عن طبيعة الجهة التي تسعى لتكريس هذه الوصاية فالإعلام لا يمكنه إلا أن يكون مستقلا وممثلا وهيئاته كذلك رغم التحفظات الموجودة على أداء هذه الهيئة إلا أن لها دورا هاما تلعبه في التأسيس لمنظومة إعلامية جديدة حرة ومستقلة.
والمطلوب اليوم الانصراف للعمل والتفاعل مع كل الأطراف المهنية من اجل بناء هذه المنظومة الجديدة دون إقصاء أو مواقف «ثورية» لا تتعامل بنضج مع معطيات الواقع وتوافقات الفاعلين الحقيقيين فيه.

جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم السبت 18 فيفري 2012