ما أروعك يا شعب وما أعظمك..
بكل عنفوانك، بكل اقتدارك وبكل أصالتك، ورغم جرحك المفتوح النازف دما، رفضت أن تختزل مأساتك وغضبتك في مجرد المطالبة بحقك في الشغل ولقمة العيش.. بل أعلنتها هادرة مدوية يتردد صداها في كل أرجاء الأرض: الشعب لا يهون ولا يهان، والكرامة قبل الخبز أحيانا..
ما أروعك يا شعب تونس وما أعظمك.. وما أروع شبابك فتيات وفتيانا وهم كالياسمين في جماله ونبله وفي نقائه يصنعون بذكائهم وبأجسادهم الغضة وهتافاتهم المدوية فجر الانتصار وربيع الحرية..
اعتقدوا فيك الجبن والذل، وكنت دائما تسخر من اعتقادهم.. صبور أنت يا شعب، وأعظم ما فيك صبرك. وها أنت تفهمهم اليوم بأن الجبن ليس من طبعك، وبأن للصبر حدودا وسورا اسمه الكرامة..
خطأهم القاتل أنهم استصغروك ونهبوك واعتقدوا أنهم من خلال الترهيب والتخويف قادرون على تركيعك. لكنك سفهت أحلامهم، ورج هديرك قلاع الفاسدين وعروشهم الخاوية..
أين مؤسسات الدولة؟ أين القانون؟ أين دستور البلاد؟ أين البرلمان ومن يفترض فيه أنهم نواب الشعب؟ أين القضاء المستقل العادل؟ أين الجمهورية وكل الحقوق التي أنتجها جهاد التونسيين وتضحياتهم؟ كلها عناوين صورية هزيلة لا تتجاوز قيمتها الفعلية قيمة الحبر الذي كتبت به. وحده الجيش حافظ على مصداقيته وعلى تعبيره عن روح الشعب وكيانه. لذلك رحب به المواطنون حيث ما حلّ واعتبروه حاميا وسندا ونصيرا..
والمطلوب اليوم لإصلاح الأوضاع في تونس ليس مجرد إجراءات معالجة شكلية، بل إعادة ثقة الناس في مؤسسات الدولة. مطلوب اليوم إصلاح جذري في النظام السياسي للبلاد يعيد للدولة هيبتها وللقانون حرمته وللمواطن اعتباره، ويقطع دابر الفساد والمفسدين..
وحتى يتحقق ذلك، لا بدّ للاحتجاجات السلمية أن تتواصل.. وإذا كانت السلطة لم تدخر أي جهد لإظهار المتظاهرين في صورة الملثمين المجرمين وقطاع الطرق تشويها لصورتهم أمام العالم، ولم تستنكف من إطلاق رصاص القنص الحيّ عليهم.. وفي الوقت الذي تتلاحق فيه مواكب الشهداء الأكرم منا جميعا، فليكن ردّنا على الرصاص والعنف الوحشي المسلط علينا، قطوف ياسمين نرفعها ونهديها لأبناء الشعب الذين أوكلوهم لقمعنا.. فعلينا أن لا ننسى بأن هؤلاء الأعوان هم أبناؤنا، وبأن مكانهم الطبيعي هو أن يكونوا إلى جانبنا.. فكرامة التونسيين واحدة، وحلمهم واحد، وما من قوة في الأرض يمكنها أن تصد إرادتهم في الكرامة والحرية..
تحيا تونس .. تحيا الجمهورية
زياد الهاني