mardi 11 janvier 2011

خطاب رئاسي غير مقنع و تونس على حافة الانفجار الشامل: كش مات؟


توقّع التونسيون من رئيس الدولة عصر يوم الإثنين 10 جانفي 2011 خطابا يحقن الدماء الغالية ويعيد الأمل للنفوس. لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، رغم بعض الإجراءات المعلنة المحفزة على خلق مواطن الشغل.

وزير الاتصال أكد للمحتجين في تصريح لقناة الجزيرة "المعادية" مساء الليلة السابقة لخطاب رئيس الدولة، بأن رسالتهم وصلت.. لكن الحاصل لا يخرج عن فرضيتين: إما أن الحكومة مصابة بصمم يجعلها لا تسمع، أو أنها لا تفهم؟ وفي كلتا الحالتين أصبح التغيير متأكدا..

فهذه الدماء التي يتم سفكها في القصرين وتالة والرقاب وسيدي بوزيد ومنزل بوزيان وغيرها من المدن والقرى المنتفضة من أجل الكرامة والحق في العيش الكريم، هي دماؤنا. وهؤلاء الذين يواجهون الرصاص الحيّ بأجسادهم النحيفة وصدورهم العارية، هم أبناؤنا.

كيف يمكن لهؤلاء الذين أقر لهم رئيس الدولة بالنضج ذات 7 نوفمبر 1987، اللّهم إلاّ إذا تراجع عن ذلك، أن يثقوا بوعود التنمية وهم يرون العائلات المتنفذة تنهب مقدراتها بوقاحة وبشكل مفضوح؟

كيف لهم أن يصدقوا إمكانية بعث 300 ألف موطن شغل في عامين، وهم يرون الفساد ونهب أموال الدولة ومصادرة أرزاق رجال الأعمال الذين يرفضون مقاسمتها مع المتنفذين، يعرقل كل إمكانات الاستثمار؟

وثائق "ويكيليكس" أكدت لهذا الشباب المتعلم الثائر والمحروم، بأن الحديث عن الفساد لم يكن مجرد مزاعم، إذ تبيّن أن أكبر مصادر القرار في العالم تتابعه. وبأن الإقطاعيين الجدد الذين تؤول لهم مؤسسات القطاع العام بالمراكنة ويبعثون البنوك ويبتلعون أضخم شركات الاتصالات ويراكمون الثروات الخيالية القياسية ويربّون النمور في قصورهم، أو ينطلقون من الصفر لكسب شركات الطيران والإعلام والسياحة والاسمنت، أو تسمح لهم إمكانياتهم بدفع المليارات لشراء اليخوت ويشيّدون إمبراطوريات مالية بقروض بنكية لا ترجع ويبنون الملاذات الآمنة في الخارج كدبي وكندا وشرم الشيخ، لا يستمدون بذخهم الفاحش الكافر من إرث آبائهم أو من كدّهم وعرق جبينهم أو شهائدهم العلمية، بل من المال العام؟

شهادة السيدة سهى عرفات أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التي كشفتها وثائق "ويكيليكس"، لم يكن لها إلاّ أن تزيد القلق حول قيادة الدولة ومصيرها؟ إلى جانب تغوّل الأجهزة الأمنية التي أصبح بعضها يستخدم كأداة بطش لحماية مصالح الفاسدين، ودوس وزارة الداخلية المتعمد للقانون ومصادرتها للحقوق الدستورية للمواطنين من حق في حرية التعبير والتظاهر السلمي والتنظم في أحزاب وجمعيات من ضمنها جمعية أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التي رفضت الداخلية استلام ملف تكوينها، بما يفرغ الحديث عن القانون من أي معنى؟ يضاف إلى ذلك ما دأبت عليه المصادر "المسؤولة" من تجنّ مفضوح على الحقيقة وآخره الرسالة الجوابية للخارجية التونسية على الاحتجاج الأمريكي المطالب باحترام الحريات الفردية وخاصة حرية النفاذ للانترنت؟ فكيف يمكن والحال كذلك أن تكون لهذا الشباب ثقة في الخطاب الرسمي؟ كيف يمكنه أن يثق في إمكانية الحوار وهو لا يرى غير مونولوغ بين رئيس الدولة و بعض المرايا العاكسة التي استقبلها ليتناول معها قضايا بلد يحترق، مع تواصل استبعاد أصحاب الرأي المخالف؟ ألم تكن لقاءات رئيس الدولة ستكتسب زخما حقيقيا لو أنها تمت مثلا مع أحمد إبراهيم أو ميّة الجريبي الذين يحظيان بمصداقية واحترام واسعين وبإمكانهما الدفع إلى التهدئة؟

كيف يمكن لتونس المريضة بإعلامها أن تطور إعلاما جهويا وسط منظومة إعلامية تقوم على قاعدة التلميع وستر العورات، وليس الإخبار؟ ألم يحن الوقت للقيام بلفتة يتم بمقتضاها إطلاق سراح الزميل الفاهم بوكدوس مراسل قناة الحوار التونسي الفضائية الذي يقضي عقوبة بالسجن مدة أربعة سنوات على خلفية تغطيته لأحداث الحوض المنجمي؟

هل بإمكان رئيس الدولة محاسبة الفاسدين المعروفين واسترجاع الأموال المنهوبة وضخها في مشاريع توفر شغلا للعاطلين؟ هل بإمكانه القيام بضربة مكنسة في قرطاج تطيح بالديناصورات المشيرة عليه بالخراب، بعد أن انتهت مدة صلاحيتها؟ هل بإمكانه إقالة وزير داخليّته الفاشل؟ هل بإمكانه عدم الاكتفاء بالأسف والترحم على أرواح الشهداء واعتبارهم أبناء تونس، والتدخل لمنع قتل مزيد التونسيين وملاحقة الذين أراقوا الدماء التونسية الزكية مخالفين التراتيب المنظمة لإطلاق النار؟ هل بإمكانه القيام بتطهير تجمّعه الدستوري الديمقراطي "الحاكم" الذي لم يعد يحكم، من العناصر الانتهازية التي تغلغلت في مراكزه القيادية؟

هل بإمكان رئيس الدولة التخلي عن لغة التهديد المبطن وتخوين المخالفين في الرأي وتجريمهم، وتحقيق انفراج سياسي وإطلاق سراح كافة المعتقلين؟ هل بإمكانه إصدار أمر بمنع التمويل العمومي عن صحافة المجاري التي تنتهك الأعراض، وهو الذي لا يفوّت مناسبة للتعبير عن رفضه النيل من الأشخاص وانتهاك الأعراض؟ هل بإمكانه رفع الحصانة القضائية التي تحظى بها صحافة المجاري هذه وتجعلها بمنأى عن الملاحقة؟

هل بإمكان أعضاء مجلسي النواب والمستشارين تعميق الصلة بالمواطنين بجهاتهم مثلما طلب منهم رئيس الدولة، وهم الذين لا عمق لأغلبهم ولم يكن للمواطن دخل في إيصالهم للمواقع التي يحتلونها؟

هل بإمكان رئيس الدولة أن يعيد للقانون اعتباره وللدولة هيبتها وللدستور حرمته؟ ِ هل بإمكانه أن يفرض على وزارة الداخلية احترام القانون وعدم مصادرة الحقوق الدستورية للتونسيين؟ هل بإمكانه توجيه رسالة إلى الرأي العام الوطني والعالم أجمع بأن تونس لكل التونسيين دون إقصاء؟

إذا كان ذلك ممكنا، عندها فقط يمكننا القول بأن تونس نجت من الانفجار الشامل، وبأن تطور الاحتجاجات في بلادنا لن يبلغ نقطة اللاّعودة. وبأن التحركات الأخيرة لن تتطور إلى نقلة "كش مات" تعلن عن نهاية لعبة طالت. وقادت البلاد إلى حافة الهاوية، حتى وإن كانت تؤشر إلى دخول البلاد في المنعرج الأخير؟ فالمواطنون الذين هتفوا أخيرا بحياة الجيش، أعلنوا ضمنيا بأن أيام الدولة البوليسية الراعية للفساد أصبحت معدودة؟

زياد الهاني

ملاحظة: بين أيديكم النسخة التاسعة بعد المئة من مدونة "صحفي تونسي"، بعد أن قام الرقيب الالكتروني بحجب النسخة الـ108 السابقة، بصورة غير قانونية في تونس، إثر نشر نصّ بعنوان


قمع الصحافة التونسية: وداعاً زمن الصمت!