vendredi 8 février 2013

قرار منع بث الحوار مع زعيم السلفية الجهادية في تونس : حلقة أخرى في سلسلة التسلّط


بوضوح

قرار منع بث الحوار مع زعيم السلفية الجهادية في تونس
حلقة أخرى في سلسلة التسلّط

بقلم: زياد الهاني


لكـلّ داء دواء يستطـبّ بــــه
إلاّ الحماقة أعيت من يداويها...

ذلك أقل ما يمكن قوله للتعليق على حادثة منع بث الحوار الذي أجراه الزميل نصر الدين بن حديد مع سيف الله بن حسين المكنى بأبي عياض زعيم السلفية الجهادية في تونس وكان مفترضا أن تذعيه بداية من منتصف نهار يوم الاثنين إذاعة «موازاييك آف آم» خلال برنامج «ميدي شو» للصحفي القدير نوفل الورتاني. لكن مكالمة هاتفية من النيابة العمومية وردت صباح ذات اليوم على إدارة الاذاعة للمطالبة بالامتناع عن بث  البرنامج وتم تأكيد هذه المهاتفة بمراسلة عبر الفاكس وردت هذه المرة من أحد السادة حكام التحقيق دعا فيها إلى عدم بث المقابلة مع أبي عياض لما من شأن ذلك أن يمثله من تهديد على الأمن العام.
والتزمت الإذاعة بتطبيق القرار على إجحافه لكن هل منع ذلك بث المقابلة؟ الجواب الطبيعي «لا»... فسويعات قليلة بعد المنع انتشر شريط المقابلة في المواقع الاجتماعية بالانترنات انتشار النار في الهشيم!!
ويثبت للمرة الألف أن سياسة التعتيم والحجب الأحمق لا تحل المشاكل بل تعمقها ولن تنجح في منع تداول المعلومة التي  أصبحت بفضل التكنولوجيا الحديثة خارقة لكل الحواجز والحجب. هذا اذا سلمنا بوجاهة القرار الصادر عن حاكم التحقيق من الناحية القانونية وبامتلاكه لصلاحيات إيقاف برنامج إذاعي. لكن واقع النصوص مخالف لذلك تماما حيث تصرف حاكم التحقيق بما ليس مخولا له متعديا على صلاحيات غيره. فبمراجعة النصوص القانونية يتبين أن المرجع الوحيد الذي تحدث عن وقف البرامج الإذاعية والتلفزية هو المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، حيث نص في الفصل 30 على أن رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هو الوحيد المخول قانونا لوقف بث البرامج الإذاعية والتلفزية في القنوات الخاصة والعامة إذا رأى ما من شأنه أن يمسّ الأمن العام أو يهدده. وبالتالي لا يحق لأية سلطة أخرى حق، وإن كانت قضائية، أن تتخذ مثل هذا الإجراء.
قد يجادل البعض بأن الهيئة لم تتكون بعد وبالتالي لا وجود لرئيس لها قادر على التدخل لوضع حد للتجاوزات. ولكن هذا الطرح لا يستقيم. أوّلا لأن النص القانوني صدر بالرائد الرسمي للجمهورية منذ 4 نوفمبر 2011. ويعتبر نافذا من الناحية القانونية. وثانيا لأن مشكلة الفراغ تعالج من الأصل بتوجه المعنيين بالأمر إلى رئيس الجمهورية لحثه على الإسراع بتطبيق القانون ووضع حد لحالة الفراغ، عوض استغلال هذا الفراغ لتمرير أجندات تسلطية لم تعد خافية على أحد.
وللتدليل على ما ذهبنا إليه نضرب مثلا باختصاص حاكم الناحية دون سواه في إصدار حجج الوفاة. فهل يعني عدم تعيين رئيس لإحدى محاكم النواحي تخويلا لغيره كي يمضي حجج الوفاة مكانه، حتى وإن كانت متأكدة؟
أصحاب القرار حاولوا في مرة سابقة وقف حلقة من برنامج «التاسعة مساء» للزميل معز بن غربية على قناة «التونسية» عندما حاول بث حوار مع سليم شيبوب صهر الرئيس الأسبق، لكن المكلف العام بنزاعات الدولة خسر معركته القضائية بهذا الخصوص. لذلك خيروا هذه المرة اتباع أسلوب جديد يتمثل في إصدار قرار مباشر من حاكم التحقيق بناء على توجيه النيابة العمومية، لتحقيق هدفهم المتمثل في وقف البرنامج. وهو ما يمثل التفافا على النصوص القانونية المنظمة لقطاع الإعلام وأساسا المرسوم 116، وضربا لحرية التعبير والصحافة والنشر من واجب المهنيين وكل المعنيين التصدي له حتى لا يتحول غلأى سابقة تقييدية. لكن هل نجحوا في ذلك؟
قد يكونوا تمكنوا من وقف بث البرنامج إلى حين لكنه موجود اليوم في كل مكان يقبل عليه المتعطشون بلهفة بعد الضجة التي أحدثها قرار المنع. فعلا هكذا هي العبقرية أو لا تكون!؟

المصدر: جريدة "الصحافة اليوم"، العدد الصادر يوم الأربعاء 6 فيفري 2013