jeudi 13 décembre 2012

سقطت الفتنة وظلّت رؤوسها .. في انتصـــار الإتحــاد انتصار لتونــس وثورتهــا


بوضوح

سقطت الفتنة وظلّت رؤوسها
في انتصـــار الإتحــاد انتصار لتونــس وثورتهــا

بقلم : زياد الهاني

الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة والاتحاد بما مكّن من التراجع عن القيام بإضراب عام اليوم لم يكن فيه غالب ومغلوب بينهما، بل انتصر فيه الطرفان ومعهما انتصرت الثورة وانتصرت تونس.
فالالتقاء بين حكومة السيد حمادي الجبالي وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ضرورة حتمية تفرضها المصلحة الوطنية واستقرار تونس ونجاح مسار تحوّلها نحو الديمقراطية الذي أصبح مهددا نتيجة الطمع القاتل في السلطة، ورغبة البعض في الاستحواذ الكامل عليها بعد أن نجحوا بفضل المصادفة التاريخية في ركوب أجنحة الثورة وتبنيها.
الاتحاد العام التونسي للشغل كان مستهدفا لأنه القوة المهيكلة الوحيدة التي بإمكانها فرض التوازن داخل المعادلة الوطنية والتي بسقوطها يمكن للواهمين بالسطو على السلطة أن يفرضوا بسهولة سيطرتهم الكاملة على مفاصل الدولة والمجتمع نتيجة الضعف الهيكلي للمجتمعين المدني والسياسي. ونجاح رؤوس الفتنة وصقورها في إزاحة الاتحاد سيعقبه دون شك الإطاحة بالسيد حمادي الجبالي وحكومته والدخول بالبلاد في منعرج جديد يعيد الاستبداد الى الواجهة باسم تحقيق أهداف الثورة!؟
المتابع لتسجيلات وقائع يوم الرابع من ديسمبر سواء منها ما حصل في ساحة محمد علي بتونس العاصمة حيث مقر الاتحاد أو حول ضريح الزعيم فرحات حشاد في ساحة القصبة لا يمكنه إلاّ أن يخرج باستنتاج واحد :
هناك عملية تحشيد منظم قد يكون القائمون بها سعوا الى الإطاحة بالقيادة الشرعية المنتخبة للاتحاد والاستيلاء على هذه المنظمة العريقة!؟
فمن تمّ تقديمهم على أساس أنهم «مواطنون جاؤوا لإحياء ذكرى فرحات حشاد» لم يكونوا سوى أعضاء في ميليشيات ما يسمى بروابط حماية الثورة وجموع كان يشرف على توجيهها وتأطيرها بعض القياديين في حركة النهضة إذا صحّ ما بيّنه أحد الاشرطة المصورة التي أظهرت أحد أعضاء مجلس شورى حركة النهضة وهو يوجه مجموعة من المحتجين الذين حضروا في ساحة القصبة قرب ضريح حشاد وقاموا بالاعتداء على موكب الاتحاد.
 ومنهم حتى من قام بالاعتداء الجسدي العنيف على الوزير السابق سعيد العايدي طيب الذكر والسمعة، وهو ما سيبقى وصمة عار لا تنمحي من جبين من قام به وحرّض عليه.
هؤلاء «المواطنون» الذين التقوا في شعاراتهم التي رفعوها حول «التطهير» مع ما تبناه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في ندوته الصحفية وهو الذي ألهب الحريق كلما تكلم، بدا واضحا إصرارهم على اقتحام مقر الاتحاد عبر  التحشيد والدفع. وهي تقنية غير مبتكرة سبق لي شخصيا أن عملت بها في كل التجمعات التي جرت بساحة محمد علي بين 25 ديسمبر 2010 و13 جانفي 2011 لكسر الطوق الأمني والنفاذ بالمظاهرة خارج هذا الطوق وهي التجمعات التي كان يؤطرها ويقودها سامي الطاهري عضو القيادة الحالية للاتحاد التي طالب الغنوشي وصحبه بتطهيرها!؟
وحتى يكتمل للمهزلة فصولها خرج علينا بعض المحسوبين على إمامة الدين ليفتوا بتحريم الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد!؟ أي أن التطاول على القانون وعلى مؤسسات الجمهورية بلغ حدّ التصدي لمنع حق دستوري والدعوة للارتداد عليه. وفي ذلك ضرب للعمل النقابي واعتداء على حق أساسي من حقوق العمال المعترف بها عالميا!؟
الإمام البشير بن حسن صاحب هذه الدعوة وهابي من تلاميذ ابن باز وباقي مشائخ الوهابية الذين أفتوا بتحريم قيادة المرأة للسيارة ومنعها من العمل، لذلك فالأمر من مأتاه لا يستغرب!؟
ولم يقف التدخّل عند هذا الحدّ بل رأينا كيف تدخل عدد من الأئمة ومنهم إمام جامع اللخمي بصفاقس في الشأن السياسي ليهاجموا الاتحاد والمعارضة ويطالبوا بالتصدي لحزب نداء تونس مع التعبير عن استعدادهم للاستشهاد من أجل تحقيق هذا الهدف!؟
والأغرب من ذلك كله أن تصدر وزارة الشؤون الدينية بيانا تسعى فيه لتبرير هذه التجاوزات الخطيرة التي تهدد بتحويل بيوت الله من أماكن للعبادة جعلت ليذكر فيها اسم الله وحده، الى جلبه للخصومة والصراع السياسي؟ ولم يبق لنا الاّ أن نرى مصليا قوميا من أنصار الوحدة العربية أو من الجبهة الشعبية المؤمنين بالعدالة الاجتماعية وهو يمسك بخناق إمام دعي جاهل أو يشتبك معه بالأيدي  والأحذية لأنه تهجم على حزبه وكفّره في شأن تصوّر فكري سياسي لا علاقة له بالدين!؟
الاتحاد انتصر في معركة ردّ الاعتبار وكسر شوكة متحديه ما في ذلك شك، ومعه جزء من الحكومة تمكن من إصلاح بعض ما أفسده الغلاة.
وحلّ ميليشيات روابط حماية الثورة الذي أصبح مطلبا وطنيا حتى وإن لم يرض عامر العريض والصحبي عتيق ومن ماثلهم في قيادة النهضة أو سمير بن عمر مستشار رئيس الجمهورية وعراب فرع هذه الميليشيا في قرطاج، تحوّل كذلك الى مصدر قلق دولي وشك في امكانية نجاح المسار الثوري في بلادنا في الرسو بسفينتنا على شاطئ الديمقراطية والاستقرار والنماء. وهو ما لا يمكن لصاحب قرار ذي عقل أن يتغافل عنه.
كما لا يمكننا ونحن ننتشي بالنصر الذي حققه الاتحاد العام التونسي للشغل لفائدة التونسيين جميعا أن نغفل أن الفتنة سقطت هذه المرّة، لكن رؤوسها مازالت موجودة تترصّد أية فرصة سانحة للانقضاض على البلاد.

المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الخميس 13 ديسمبر 2012