mardi 2 juillet 2013

إخوان مصر في مفترق الطرق : القبول الواعي بإرادة الشعب... أو الخسران المبين


إخوان مصر في مفترق الطرق
القبول الواعي بإرادة الشعب... أو الخسران المبين

بقلم: زياد الهاني

ردود الفعل الأولية للرئاسة المصرية ولحركة الإخوان المسلمين على هبّة الشارع المصري وبيان الجيش، تظهر أن الجماعة لم يستوعبوا الدرس جيدا بعد!؟
فالرئيس محمد مرسي الذي اختفى عن الأنظار خلال اليومين الفارطين، رفض المهلة التي حددتها القوات المسلحة لحل الأزمة السياسية قائلا أنه لم يستشر من المؤسسة العسكرية وأنه سيمضي قدما في خططه للمصالحة الوطنية مع معارضة أعلنت رفضها الحوار معه.  في حين دعا حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لتنظيم لإخوان المسلمين "جموع الشعب المصري بكافة فصائله وتياراته للاحتشاد للدفاع عن إرادته وشرعيته الدستورية والتعبير عن الرفض لأيّ انقلاب عليها." قائلا أن الشعب المصري وحده هو الذي يحق له وضع خارطة طريق وانه فعل ذلك خلال موافقته على الدستور في الاستفتاء الذي أجري في ديسمبر 2012. وحشد الإخوان المسلمون أنصارهم في ميدان جامع رابعة العدوية في مدينة نصر، حيث بدأ نشطاؤهم في ترديد هتافات تنادي بسقوط "حكم العسكر"، رغم أن الجيش أعلن صراحة عدم رغبته في الحكم وخوض غمار السياسة.
 الجيش الذي يعتبر دعامة للدولة المصرية منذ عهد الفراعنة، أكد في بيانه الذي يعتبر وثيقة تاريخية أنه "إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة فسوف يكون لزاماً (على المؤسسة العسكرية) استنادا لمسؤوليتها الوطنية والتاريخية واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بما فيها الشباب الذي كان ولا يزال مفجراً لثورته المجيدة ... ودون إقصاء أو استبعاد لأحد". وفي ذلك انتصار منه للإرادة الشعبية. والجماعة الذين يعلنون تمسكهم بالشرعية الدستورية، لم يدركوا على ما يبدو أن الشرعية الدستورية مستمدة من الإرادة الشعبية ولا تعلو عليها. وأن الشعب الذي تجمع في ساحات مصر وميادينها وليس في ميدان التحرير بالقاهرة فقط، له مطالب واضحة تتمثل في رحيل مرسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني  وإعداد دستور توافقي جديد وإجراء انتخابات برلمانية وأخيرا انتخابات رئاسية مبكرة لا إقصاء فيها وهو ما تبناه الجيش. في حين لا تتجاوز أهداف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، الدفاع عن كرسي حكم أضاعه الجماعة "مؤقتا" بسبب أخطائهم في إدارة شؤون الدولة والاستئثار بالحكم، دون البحث عن توافقات مع المعارضة كان بالإمكان أن توطد أركان سلطتهم.
الرئيس مرسي وجماعته أصبحوا الآن في مفترق طرق. فإما أن ينضبطوا للإرادة الشعبية ويقبلوا الاحتكام لها ويرضوا بنتائجها. أو أنهم سيتمسكون بأهداب شرعية دستورية مهترئة، قادتهم للحكم في ظل معادلة تغيرت اليوم معطياتها ويخسرون بالتالي كل شيء. وقد يجدون أنفسهم كما هو حال الرئيس السابق محمد حسني مبارك ملاحقين أمام القضاء. خاصة إذا ما تأكدت الأنباء عن تجميع واستعمال غير مرخص فيه للسلاح في وجه الرافضين لنهجهم، ومن ذلك استعمالهم لقناصة محترفين من داخل مصر وخارجها.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحسب ما جاء في بيان صادر عن السفارة الأمريكية بالقاهرة أمس، أبدى قلقه العميق إزاء العنف خلال المظاهرات، وحث نظيره المصري في اتصال هاتفي على أن "يوضح لأنصاره أن جميع أشكال العنف غير مقبولة". أوباما الذي عبّر أيضا عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في مصر، أوضح لمرسى أن "الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بالعملية الديمقراطية في مصر وإنها لا تدعم أي حزب واحد أو مجموعة مشددا على أن الديمقراطية هي أكثر من مجرد انتخابات، بل هي أيضاً ضمان أن تكون أصوات جميع المصريين مسموعة وممثلة من قبل حكومتهم، وذلك يتضمن العديد من المصريين الذين يتظاهرون في جميع أنحاء البلاد".  وشجع أوباما مرسى على اتخاذ خطوات لإظهار استجابته لمخاوف المصريين، مؤكدا أن "الأزمة الحالية لا يمكن حلها إلا من خلال العملية السياسية، مشددا على ما قاله منذ قيام الثورة، وهو أن المصريين لوحدهم يستطيعون أن يقرروا ما الذي يحدد مستقبلهم." وكانت السفيرة الأمريكية في القاهرة قد أجرت عديد الاتصالات مع قيادات إخوانية في نفس هذا الاتجاه، حاثة إياهم على عدم التورط في أية "مغامرة غير محسوبة العواقب".
بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الضباط الأحرار، ارتكب الإخوان المسلمون خطأ استراتيجيا فادحا حين استعدوا القيادة الوطنية الجديدة وعلى رأسها الزعيم جمال عبد الناصر وحاولوا الانقلاب عليها باستخدام سلاح التحريض والاغتيال، ودفعوا ثمن ذلك إقصاءا تواصل لعقود عديدة. ولم يحققوا تواجدا وتأثيرا سياسيا متقطعا إلاّ من خلال التوافق مع الرئيس محمد أنور السادات ثم الرئيس محمد حسني مبارك، وتجلى ذلك خاصة في حضورهم البرلماني المؤثر فضلا عن انتشارهم الاجتماعي الكبير.
في مصر كما في تونس من قبلها، حصلت انتفاضة شعبية أطاحت برأس السلطة ففرح كل المتعطشين إلى التغيير بها وأسموها "ثورة". هذه الانتفاضة كانت بلا رأس وبالتالي لم تجد جماعة تمتلك شرعية قيادتها والتحدث باسمها. وبعد التنادي إلى حماية هذه "الثورة" من أعداء التغيير، نصّب البعض نفسه متحدثا باسمها ثم وصيّا عليها قبل أن يستحوذ على رصيدها بشكل كامل. ومن هنا، وخاصة بعد ما أفرزته الانتخابات من نتائج في البلدين، بدأ الخلل الذي انطلق بتبني سياسة الإقصاء، والتعالي والتحقير من شأن المعارضين ونعتهم بجماعة "الصفر فاصل"، تماما كما كانت تفعل الأنظمة المطاح بها التي كانت بدورها ترى نفسها شرعية مع كل ما كانت تحظى به من قبول شعبي ولو على مضض ومن اعتراف دولي، والتي ولّت دون رجعة غير ماسوف عليها!؟
فهل سيوقع الغرور الإخوان مرة أخرى في فخاخهم القديمة، تقودهم إليها نفس العقلية الإطلاقية التي جعلتهم يتوهمون امتلاك الحقيقة والشرعية وحدهم؟ أم أن فيهم ذوي عقل قادرون على تجنيبهم المهالك!؟ في كل الأحوال الشعب قال كلمته، ولقصار النظر دروس التاريخ تذكّر: دار ابن لقمان على حالها... والقيد باق والطواشي صبيح.

والتاريخ نظر واعتبار...

المصدر: جريدة "الصحافة اليوم"، العدد الصادر يوم الأربعاء 3 جويلية 2013