lundi 1 juillet 2013

انتهى الدرس... ملايين المصريين ينهون سطو "الإخوان" على ثورتهم


انتهى الدرس...
ملايين المصريين ينهون سطو "الإخوان" على ثورتهم

                                                                                                             بقلم زياد الهاني

كان يوما عظيما وليلة من ليالي العمر التي قلّ أن يجود الزمان بمثلها!
ملايين المصريين نزلوا إلى الشوارع والساحات في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ومختلف محافظات بلد الكنانة مرددين بصوت هادر: " الشعب يريد إسقاط النظام"؛ "الشعب يريد إسقاط الإخوان"؛ إرحل.. إرحل"؛ "إرحل إرحل يعني إمشي، يا اللي إنت ما بتفهمشي"؛ "متعبناش متعبناش، الحرية مش ببلاش"؛ "يسقط حكم الإخوان، يسقط حكم المرشد"...
كان ميدان التحرير وسط القاهرة هو العلامة الأبرز في انتفاضة الشارع أين تجمع المتظاهرون المناهضون للرئيس مرسي وحكومته وحزبه بالملايين مكونين جسما ممتدا أكثر من الكيلومتر، رأسه في الميدان حيث المجمع الإداري الضخم وقاعدته في ساحة دار الأوبرا، مرورا بكوبري (جسر) قصر النيل. في حين تجمع الإخوان وحلفاؤهم في ميدان جامع رابعة العدوية للدفاع عن الرئيس مرسي والشرعية التي أفرزتها الانتخابات. والفارق بين كثافة الحشدين جليّ لا يحتاج إلى تدليل وتؤكده الصورة الفضائية المصاحبة.
هبت مصر كلها للشوارع استجابة لحركة "تمرد" المناهضة للحكم الإخواني، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. حتى الجبل الصعيدي المعروف تقليديا بموالاته للإخوان، تحرك دعما لانتفاضة الحرية؛ وانعزل أنصار مرسي داخل دائرة محدودة محيطة بجامع رابعة العدوية بمدينة نصر.
كل الأصوات التي كانت تبشر بفشل التحرك الاحتجاجي للثلاثين من جوان وتتوعد مريديه اختفت. حتى الرئيس مرسي اختفى، وهو الذي خرج لميدان التحرير مباشرة بعد انتخابه فاتحا صدره بتحد تجاه كل من قد يحاول النيل منه وقد اتخذ من الجماهير الهادرة درعا له. يومها هتفوا له من كل التوجهات السياسية وكلهم أمل في أن رئيسهم سينتصر للفقراء وسيبني معهم مصرا جديدة توحّد ولا تفرّق ولا مكان فيها للإقصاء. لكن الرئيس المنتخب وجماعته خذلوا من أوصلوهم للحكم. فالمعيشة ازدادت غلاء وزادت في تفقير شرائح واسعة من المجتمع، ولم تجد شعارات الثورة وأهدافها أيّة ترجمة عملية في القرارات المتخذة لا على مستوى العدالة الاجتماعية أو الديمقراطية. والذين تحالفوا مع المرشح الإخواني للانتخابات الرئاسية لقطع الطريق أمام المرشح أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق، شكر الإخوان سعيهم مفضلين "الاستئثار بالسلطة" من خلال التحالف مع حزب النور السلفي وإدارة الظهر للباقين؛ والسيطرة على تشكيل الجمعية التأسيسية. ثم جاء الإعلان الذي أعطى بموجبه مرسي لنفسه صلاحيات فرعونية وانتصاره لمشروع جماعته على حساب مشروع المجتمع المصري عوض البحث على الوحدة والوفاق الوطني الذين كان عليه تجسيدهما باعتباره رئيسا للجمهورية ولكل المصريين بمختلف طوائفهم واتجاهاتهم، ليعمق الانقسام بين أبناء البلد الواحد.
الرئيس مرسي، وبعد خطابه التهديدي الأخير، اعترف أول أمس (أخيرا) بحصول أخطاء ووعد بتصحيحها، تماما كما فعل مبارك وبن علي من قبله!؟ لكن هل مازال بإمكانه المواصلة في الاضطلاع بمسؤولية لم يعد أهلا لها بعد أن قال الشعب كلمته فيه، بالبطاقة الحمراء التي أخرجها في وجهه ومطالبته له بالرحيل؟
قبل أيام استمعت إلى مداخلة ألقاها الشيخ عبد الفتاح مورو في ندوة بالأردن حول الإسلاميين والحكم. الشيخ الجليل أكد أن الإسلاميين أضاعوا الفرصة التي أعطتها لهم شعوبهم، وأن خروجهم من الحكم لا يعني نهاية العالم بل أن عليهم الرضوخ لإرادة الشعوب التي أوصلتهم إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع، والعودة للعمل وسط الناس والتعلم منهم. فالفرق بين الشعارات الفضفاضة وممارسة تفاصيل الواقع وحل مشاكله شاسع.
الشيخ يوسف القرضاوي، عرّاب التحالف بين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والولايات المتحدة الذي أوصلهم للحكم، بدا مضطربا أمس على قناة الجزيرة القطرية وهو يدعو المصريين للتفاهم وعدم الإطاحة برئيسهم المنتخب، حاثّا على التفاوض معه. قبل أيام فقط كان القرضاوي يؤكد بكل وثوق وهو يحرض شباب المسلمين على الانتحار في المحرقة السورية تحت راية الجهاد المضللة، أن نظام الرئيس بشار الأسد سيسقط تنفيذا لنبوءة سبق له أن أعلنها. لكن هاهو يشاهد بأم عينه صرحه المصري يتهاوى تحت ضربات شعب عانقت أشواقه الحرية، ولا يرضى بغيرها بديلا.
للإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية مكانهم في المشهد السياسي العام. لكن كجزء منه يتفاعل مع باقي مكوناته في إطار التوافق من أجل بناء الغد الأفضل لجماهير طالت معاناتها. أما السطو على الثورة والاستئثار بالحكم وإقصاء الخصوم السياسيين تحت لافتة الشعارات الثورية البراقة فلا يمكن إلاّ أن يعود بالوبال على أصحابه.
انتهى الدرس... وما أروعك، وكم أنت عظيم يا شعب...

المصدر: جريدة "الصحافة اليوم"، العدد الصادر يوم الثلاثاء 2 جويلية 2013