القضية الاستعجالية التي رفعها المكلف العام بنزاعات الدولة لغلق "قناة التونسية" التي أصبح منتجها سامي الفهري مصدر إزعاج حقيقي لمنافسيه ومنهم من يملك سندا قويا في دوائر السلطة والقرار، تطرح أكثر من سؤال حول مدى تخلصنا من منظومة الاستبداد والقرارات التسلطية وسياسة تكميم الإعلام؟
فالعدل مطلوب والظلم مرفوض أيّا كان المستهدف به. وضرب حرية الإعلام وغلق المؤسسات الإعلامية بكل أبعاده وآثاره السياسية والاجتماعية خط أحمر لا مجال للسكوت عنه.
المكلف العام بنزاعات الدولة الذي لا نشكك في سلامة إدراكه للأمور وصواب نظره، ورغم كثرة انشغالاته في متابعة ناهبي العام التي لم نر منها بعد نتائج ملموسة، توجه بعريضة إلى الدائرة الاستعجالية لدى المحكمة الابتدائية بتونس المنعقدة جلستها السبت 8 أكتوبر 2011 طالبا وقف بث "قناة التونسية" إلى غاية موعد الاقتراع في انتخابات المجلس التأسيسي، هذا إذا لم تكن نية السوء معقودة على أبعد من ذلك؟ وذلك لما اعتبره تأثيرا من القناة على مسار الحملة الانتخابية وتمييزا بين المترشحين؟
لكن متابعي القناة وهم كثيرون، يدركون أن هذا التقوّل غير صحيح. فالفاعلون السياسيون الذين يتم استدعاؤهم في "قناة التونسية" ليسوا من المترشحين، خلافا لقنوات أخرى تقوم باستدعاء مترشحين ومحاورتهم إلى حد الدعاية الفجة أحيانا. بل أن بعض هذه القنوات ذهبت أبعد من ذلك حين تحدت قرار اللجنة الانتخابية حول منع الإشهار السياسي ومارسته، دون أن يتدخل المكلف العام بنزاعات الدولة الذي كان في عطلة خلال تلك الفترة على ما يبدو؟
الغريب في الأمر أن سامي الفهري منتج القناة تعرض إلى تحقيق مدقق تواصل حوالي 10 ساعات خلص إثره قاضي التحقيق، الذي كان مطالبا بموجب الضغط المسلط عليه بإيداعه في السجن، إلى عدم وجود ما يبرر إدانته. لكن البعض مازالوا مصرين على المطالبة برأس الرجل وضرب نجاحه.
ويبقى قرار الهيئة العليا لإصلاح الإعلام بحجب الترخيص عن "قناة التونسية" رغم أهليتها لذلك، العنوان الأبرز للتجني على هذه القناة. السيد كمال العبيدي الصحفي والحقوقي الضليع رئيس الهيئة برر عدم منح الترخيص للقناة بوجود تتبع قضائي ضد منتجها. ضاربا بذلك عرض الحائط بمبدإ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان يعتبر كل إنسان بريئا ما لم تثبت إدانته بمقتضى حكم قضائي نهائي وباتّ؟
باستهدافه لـ"قناة التونسية" في سياق تحوم فيه شبهات عديدة حول تعمد بعض الأطراف النافذة ضرب "قناة التونسية" لإخلاء الساحة أمامها، يضع المكلف العام بنزاعات الدولة ومن خلفه أنفسهم في موقف محرج يسيء للدولة وللمسار الثوري الذي يأمل من خلاله التونسيون القطع مع ماضي التعليمات الظالمة.
الأمل معقود على المحكمة في الانتصار للحق وعدم الانجرار وراء تصفية الحسابات السلطوية التسلطية البغيضة المرتبطة بمصالح رأس المال المساند. خاصة وأن عديد التونسيين لا يستنكفون عن ذكر أسماء بعض الماسكين بمواقع قرار في السلطة من الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات في لعبة خطيرة قد تعود بالوبال على أصحابها.
فشعار الثورة المركزي كان وسيظل أن لا ظلم بعد اليوم، لا ظلم بعد اليوم، لا ظلم بعد اليوم.. وعلى كل الذين غرهم الهدوء الظاهر وتوهموا أن المسار الثوري في بلادنا توقف، أن لا يستهينوا بإرادة شعبنا وذكائه..
زياد الهاني