mercredi 27 mars 2013

بعد تحميلها مسؤولية صفقات الحليب السلوفيني والخروف الروماني الخاسر: فاتن بلهادي مدير عام التجارة الداخلية تردّ على المتحاملين عليها وتتهمهم بالافتراء




عرفتها منذ سنوات عديدة بحكم الزمالة التي ربطتها بزوجتي في العمل بجهاز المراقبة الاقتصادية. شعرت تجاهها بتقدير كبير منذ اللقاءات الأولى التي جمعتنا بها وبزوجها حيث كانا من الأصدقاء النادرين الذين تجرؤوا على زيارتنا بمنزلنا زمن الملاحقة والحصار. عايشنا معها أوقاتا عصيبة من القلق والخوف على مصير بلادنا التي جثم على صدرها الاستبداد  وتكالبت عليها عصابات النهب، وكذلك على المصير المهني لمحاورتنا أحيانا بسبب رفضها مسايرة منظومة الفساد المعششة في وزارة التجارة، وأحيانا أخرى بسبب تمسكها بتغطية رأسها كسلوك طبيعي نشأت عليه في بيئتها المحافظة. وكانت في كل ضيق تجد الدعم من زملائها ومن رؤسائها المباشرين اعتبارا لما تتحلى به من دماثة أخلاق وطيب معشر وكفاءة مهنية لا يعتريها شك. لذلك وجدت نفسي مندفعا لمعاودة الاتصال بها قصد استجلاء رأيها بخصوص الحملة التي تتعرض لها منذ مدة واتهامات سوء التصرف التي لاحقتها بخصوص صفقتي الحليب السلوفيني والخروف الروماني، وهي حملة لا تخفى دوافعها السياسية. السيدة فاتن بلهادي المديرة العامة للتجارة الداخلية بوزارة التجارة أجابت عن أسئلتي دون حرج رغم تحفظها أحيانا. سخرت من كل الاتهامات الموجهة إليها ومن مروجيها الذين أكدت أنها لا تشعر تجاههم بأكثر من الشفقة، خاصة وقد بلغ افتراؤهم عليها حدّ الزعم الكاذب بأن زوجها عضو بمجلس شورى حركة النهضة وبأنه يستخدمها كأداة في يد هذه الحركة لبسط نفوذها على أحد المفاصل الهامة للدولة...


  •   ثارت مؤخرا ضجة حول مذكرة أصدرتها وزارتكم إلى مركزيات الحليب للتمديد في مدة استقرار الحليب من 5 إلى 10 أيام. وهو ما اعتبر حرمانا للمنتج التونسي من تسويق حليبه لفسح المجال أمام تسويق الكميات المتبقية من الحليب السلوفيني والتركي المستورد؟
 حسب المواصفة التونسية 14.047 يتوجب تخزين الحليب المصنّع لمدة 10 أيام تسمى فترة الاستقرار وذلك للتأكد من جودة المنتوج، وهذه المدة يتم تطبيقها خلال الفترة العادية للانتاج التي تمتد من فيفري إلى سبتمبر. ولكن نظرا لتقلص الانتاج من أكتوبر إلى جانفي لأسباب طبيعية، تلجأ وزارة التجارة لاتخاذ إجراءات ظرفية خلال هذه المدة تتمثل أساسا في التقليص في فترة الاستقرار وهو إجراء معمول به منذ سنوات عديدة. وفي صورة الضرورة القصوى تلجأ الوزارة لتوريد كميات من الحليب من الخارج مثلما حصل في 2004 و2007 و2008 وأخيرا في 2012 حيث قام ديوان التجارة باستيراد 2,4 مليون لتر حليب من سلوفينيا التي قدمت العرض الأقل سعرا إثر طلب عروض دولي قامت به الإدارة بعد أن رفض الصناعيون المحليون والمساحات الكبرى التكفل بعملية التوريد. بعض هؤلاء أصبح يهاجم عملية الاستيراد ويشكك في جدواها بعد أن رفضنا الاستجابة إلى طلبه بتوريد الحليب ووضعه في علب تحمل علامته التجارية المميزة !!؟ومع دخول فترة ذروة الانتاج بداية من شهر مارس نعود بصورة طبيعية إلى اعتماد فترة الاستقرار العادية المقدرة بعشرة أيام. وهو ما قمنا به حيث وجهنا مذكرة في الغرض إلى مركزيات الحليب بتاريخ 11 مارس 2013 بتطبيق الفترة العادية للاستقرار بعد أن لاحظنا أن بعض المركزيات لم تعد بصورة تلقائية لاحترام هذه الفترة بعد أن بلغت الكميات المقبولة من المركزيات 1,9 مليون لتر في حين أنها لم تتجاوز 1,2 مليون لتر خلال فترة التقلص. والحملة التي قام بها البعض حول هذا الموضوع ترتبط بأسباب ربح تجاري بحت لا غير.

  •    لكن هنالك من اتهمكم عبر بعض وسائل الإعلام بالقيام بصفقة خاسرة ومشبوهة مع تحميلكم شخصيا مسؤوليتها؟
 من المؤسف أن البعض خاض في هذا الموضوع الحساس دون أن يكلف نفسه عناء الاتصال بي للاستيضاح. وعندما يكون تناول أي موضوع قاصرا فمن الطبيعي أن يصل إلى نتائج قاصرة ويسقط في هوّة الاتهامات المجانية والمبتذلة. للعلم فإن وزارة الفلاحة قدرت العجز خلال فترة تقلص الانتاج بخمسة ملايين لتر. ونظرا لتجاربنا السابقة مع توريد الحليب والتي كانت دائما تجارب خاسرة، رأينا أن نكتفي بتوريد نصف كمية العجز التي قدرتها وزارة الفلاحة، على أن نسند النصف الثاني لموردين خواص . وهو ما حصل بالفعل إذ أن اثنين من الموردين خواص لا علاقة لهما بأية شخصية عامة مثلما وقع الترويج له زيفا، قاما بتوريد 2,5 مليون لتر من تركيا. مع الإشارة هنا إلى أن قرار التوريد ليس قرارا فرديا بل تم اتخاذه على مستوى اللجنة الوطنية للتحكم في الأسعار التي تضم ممثلين عن وزارات الفلاحة والصناعة والمالية.

  •    وماذا عن صفقة الخروف الروماني وأنت كذلك متهمة بسوء التصرف فيها والتسبب في خسائر مالية للدولة؟
 بالنسبة للموسم الفارط قدرت وزارة الفلاحة حصول تقص في إنتاج الخرفان في حدود خمسة في المئة مقارنة بموسم 2011، أي ما يقابل 85 ألف رأس من الخرفان. وأمام الارتفاع المشطّ لأسعار الخرفان المحلية قررت اللجنة الوطنية للتحكم في الأسعار تكليف شركة اللحوم والخواص بتوريد 85 ألف خروف لتغطية العجز الحاصل بمناسبة عيد الأضحى والضغط على الأسعار. واختيار رومانيا تم بناء على كراس شروط أخذ بعين الاعتبار سلامة القطيع من الأمراض وأفضلية السعر الذي كان الأرخص على الإطلاق.

  •  لكن بماذا تفسرون بقاء كميات هامة غير مباعة من هذه الخرفان؟ من يتحمل مسؤولية ذلك؟
في البداية تمت إضاعة الوقت بحثا عن الخرفان في أوكرانيا دون نتيجة، ثم حصل تأخير في إتمام عملية فرز الأضاحي في رومانيا من طرف اللجنة الفنية. يضاف إلى ذلك قيام رومانيا بتسبيق طلبيات أهم وردت عليها من السعودية مثلا على حساب الطلبية التونسية، فضلا عن إشكاليات لوجستيكية وهو ما أدى إلى تأخر وصول الطلبية إلى تونس. وفي تقديرنا فإن الوضع كان سيكون مختلفا تماما لو أن الطلبية وصلت قبل أسبوع على الأقل. وحرصا على الشفافية الكاملة من المطلوب اليوم فتح تحقيق رسمي في الموضوع لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتحديد المسؤوليات بدقة وقطع الطريق أمام المسترزقين من تشويه سمعة الناس واتهامهم بالباطل.

  •   على ذكر تشويه السمعة، هناك من يتهمك بالولاء لحركة النهضة وخدمة أجندتها للتحكم في مفاصل الدولة وحصولك على مسؤوليات ومنافع وامتيازات غير قانونية؟
 من المؤسف أن ينحط الخطاب بالبعض إلى درجة الطعن في ذوات الأشخاص عوض مناقشة أدائهم المهني ونقده بصورة موضوعية. فدخولي لوزارة التجارة كان منذ 1992 وترقيت في مختلف الدرجات الوظيفية استنادا إلى كفاءتي المهنية فقط وإخلاصي لعملي. وقبل 14 جانفي 2011 بسنوات عديدة تحملت مسؤولية مدير جهوي للتجارة بولاية منوبة. ومنذ مارس 2012 استوفيت الشروط القانونية للحصول على خطة مدير عام وهو ما حصل بالفعل بعد حوالي السنة أي في جانفي 2013. والمتجنون الذين يربطون ارتقائي في سلم المسؤولية الإدارية بوجود زوجي في مجلس شورى حركة النهضة حسب زعمهم الكاذب لأنه ليس عضوا بهذه الهيئة، إنما يمتهنون كرامة المرأة من حيث لا يقدّرون وينزلونها في وعيهم الباطني منزلة الكائن الناقص الذي لا يمكنه الارتقاء إلاّ في ظل رجل وبدفع منه. على هؤلاء أن يراجعوا حساباتهم، ووجودي في موقع المسؤولية هو نتاج لجدارتي وكفاءتي المهنية وليس لقرابة عائلية أو لخدمة أجندة أي طرف سياسي كائنا من يكون. ولولا كفاءتي وتقدير المسؤولين المتعاقبين لي والتضحيات التي قدمتها على حساب صحتي وأسرتي وخاصة أبنائي، لما بلغت الموقع الذي أشغله اليوم لأخدم من خلاله بلدي. منذ أول يوم دخلت فيه الإدارة وضعت نصب عينيّ هدفا وحيدا هو أن أخدم بلدي بكل تفان وإخلاص، وهو ما التزمت به ولن أتخلى عنه ما حييت. وأظل دائمة الاستشهاد بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم «كَذَلِكَ يَضْرِب اللَّه الْحَقّ وَالْبَاطِل، فَأَمَّا الزَّبَد فَيَذْهَب جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنْفَع النَّاس فَيَمْكُث فِي الْأَرْض» صدق الله العظيم.


حاورها: زياد الهاني

المصدر:  جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الأربعاء 27 مارس 2013