بوضوح
وزارة
الداخلية والثورة الهادئة
بقلم
زياد الهاني
وأنا
أطرق أبواب الخمسين من
عمري، لا أظنني عشت يوما واحدا من قبل
شهدَت فيه قوات الأمن من حرس وشرطة إجماعا
حولها والتفافا شعبيا منقطع النظير مثلما
هو الحال اليوم.
لا
شك أن التصدي المباشر للإرهاب في جبل
الشعانبي وما قدمته هذه القوات ومعها
جيشنا الوطني من تضحيات، مثّل دافعا قويا
للتعاطف المشهود.
لكن
من الثابت كذلك أن رياح تغيير هادئ بدأت
تهبّ على وزارة الداخلية وتسمح لها بتشكيل
صورة مختلفة لها في أذهان المواطنين
ووجدانهم، وهي التي كانت عنوانا للبطش
والاستبداد.
البداية
كانت مع النقابات الأمنية التي نجحت في
خلق حالة من التعاطف مع أعوان الأمن من
خلال التركيز على معاناتهم ووجههم
الإنساني، وهويتهم المطموسة باعتبارهم
جزءا من الشعب الفقير وحلقاته الاجتماعية
المكافحة من أجل لقمة العيش البسيطة.
ثم
جاء تعيين القاضي السيد لطفي بن جدّو على
رأس وزارة الداخلية ليعمق مشاعر المواطنين
بالثقة في الرجل القادم من القصرين أحد
مهاد الثورة وقلاعها، وهو الذي كان له في
هذا السياق صولات وجولات بمجال عمله
القضائي.
فهذا
الرجل بهدوئه الواثق وملامحه المريحة
وتدخلاته المختصرة المختزلة للكثير من
الصدق والعفوية، نزّل نفسه قريبا من قلوب
الناس.
التقيت
يوم السبت رفقة زميلي محسن عبد الرحمن
رئيس صندوق التآزر بين الصحفيين التونسيين
بالوزير بن جدّو لمدة فاقت الساعة.
ووجدنا
عنده من دماثة الأخلاق والثقة في النفس
والعزم على إنجاز التغييرات المستحقة ما
جعلنا نخرج من عنده بكثير من الاطمئنان،
رغم ضخامة التحديات وصعوبة المرحلة.
والقاضي
لطفي بن جدّو الذي يقود ثورة هادئة في
وزارة الداخلية التي تعتبر موقع القرار
الأكثر صعوبة وحساسية، كان واعيا بأن
تونس تحتاج مؤسسة قوية تصرف قوّتها في
إشاعة الأمن والأمان وحماية البلاد، دون
ظلم ولا انحراف.
وجدت
الرجل مدركا بأن قوة وزارته تستمد أساسا
من النأي بها عن التجاذبات والاختراقات،
لتلعب دورها الوطني خالصا بعيدا عن
التأثيرات السياسية والجهوية والمالية
وغيرها.
وجدته
مهتما بتحسين أوضاع العاملين في مؤسسته
وتوفير ظروف عمل لهم تستجيب للمعايير
الدولية، حتى يتمكنوا من النجاح في مهامهم
والقيام بواجبهم محفوظي الكرامة والحقوق.
حدثنا
الوزير عن تعاونه مع نقابات الأمنيين
الذين عليهم في تقديري بذل مزيد الجهد
للتوحد والتغلب على خلافاتهم.
حدثنا
عن مشاريع القوانين التي قدمها والتي
سيحقق اعتمادها نقلة نوعية في عمل الوزارة.
حدثنا
بكل فخر عن قدرات قواته وهو ما لمسه بنفسه
عند زيارته لعدد من الثكنات.
حدثنا
عن إصرار هذه القوات على أداء واجبها على
أكمل وجه، رغم كونها تحمل من الأعباء ما
يفوق الطاقة العادية للاحتمال.
لكن
الوزير حدثنا أيضا عن العمليات الجارية
في جبل الشعانبي، لافتا نظرنا إلى أن
قواتنا من جيش وأمن أخذت بزمام المبادرة
ولم تصطدم بالإرهابيين عرضا أو دفاعا،
بل هي التي صعدت إليهم متعقبة لهم حتى
تقطع دابر شرهم.
وغير
ذلك من التفاصيل التي لا يسمح المجال
بنشرها.
ما
زاد من احترامي للوزير هو أنه خلال كامل
اللقاء معه لم يتطرق ولو للحظة واحدة
للخصومة القضائية الجارية بيني وبين
وزارته، بعد الشكوى التي رفعها ضدي سلفه
علي العريض...
خرجت
مطمئنا من مقابلتي مع الوزير القاضي أو
القاضي الوزير لطفي بن جدّو الذي دعا
منظوريه إلى فتح أبواب وزارته أمام
الصحفيين دون تحفظ، وهي التي كانت عبارة
عن صندوق ترهيب أسود.
ولا
أغفل في هذا السياق الإشارة إلى نجاح
الناطق الرسمي الجديد باسم الوزارة الرائد
محمد علي العروي في رسم صورة جديدة للوزارة
تجعلها أكثر قربا من الناس واحتراما من
قبلهم.
هذه
هي انطباعاتي الأولى، وكلّ رجائي أن لا
تخيب...
المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الثلاثاء 7 ماي 2013