dimanche 13 janvier 2013

بوضوح : الإعلام يـثـأر لـنـفـسه...


بوضوح

الإعلام يـثـأر لـنـفـسه...


بقلم: زياد الهاني


عامان فقط منذ المنعرج التاريخي الذي عرفته بلادنا في 14 جانفي 2011 وأصبح شاخصا للعيان ومستقرا في وجدان التونسيين أن حرية الاعلام هي أهم مكسب تحقق لهم.
فدون حرية الاعلام تنتفي باقي الحريات وأساسا حرية الفكر والتعبير وبالإبداع كما تتعطل عملية التحول الديمقراطي وبناء أسس الحكم الرشيد القائم على الشفافية والمساءلة.
ودون حرية الإعلام يسود الفساد والاستبداد حتى وان حمل شعارات ثورية براقة وهما صنوان لا يفترقان.

*وضع عليل

قبل 14 جانفي  2011 كان  الاعلام بشكل عام أداة للتسلّط وذراعا للاستبداد يلعب دور البوق الدعائي للنظام والمزيف لمرارة الواقع التي دفعت الى الانفجار.
فنظام إصدار الصحف وبعث القنوات الاذاعية والتلفزية الخاصة كان مقيدا والمجتمع الإعلامي حديقة سرية لا يدخلها الا المقربون من أهل الحظوة.
أما من شذّ عن القاعدة المفروضة ممن سبق له  الحصول على موقع في المشهد الاعلامي، ونتحدث هنا عن صحف المعارضة وأساسا "الموقف" و"الطريق الجديد" و"مواطنون"، فله الويل ثم له الثبور بدءا بالتعطيل والحجب ومنع التداول وصولا الى عظائم الأمور.
وكان للنظام صحفه الصفراء الفتاكة التي لا تترك عرض معارض أو مخالف في الرأي إلاّ ونهشته، ووسائل اعلامه العمومي الأسير التي تسبح بحمده  وشكره آناء الليل وأطراف النهار، فيما يبحث ما بين هذين الحدّين عن مكان في الساحة عبر تنازلات تتفاوت قيمتها بين الباحث عن الربح السهل والساعي الى خدمة الرسالة الاعلامية بأخف الأضرار.
وفي ظل هذا الوضع المعتلّ ظل الجسم الصحفي يقاوم وبدرجات متفاوتة بين طليعة مواجهة وأغلبية صامتة تصدت أساسا من خلال رفضها الانخراط في اللعبة القذرة مقابل أقلية ارتضت بيع قلمها وذمتها. وقد أثبتت الوقائع أن الجسم الصحفي كان الأقل انخراطا واستفادة من النظام السابق رغم مركزية دور الاعلام في منظومة الاستبداد.

*ربيع الاعلام

بعد 14 جانفي 2011 تغيرت شروط المعادلة بشكل جذري وتحرر الاعلام بشكل كامل بعد عقود قضاها مكبلا ومستخدما طيّعا للنظام.فجدار الخوف سقط والعقول والأقلام والإرادات تحررت. ولم يعد النهوض شأنا يعني اقلية مجاهدة فحسب بل أصبح مطلبا جماعيا انخرطت فيه الأغلبية الساحقة التي رأت الفرصة سانحة لتجسيد ما حلمت به طويلا دون أن تكون قادرة عمليا على إنجازه. جاء الربيع لكن السؤال المطروح أصبح حول كيفية استدامته فالإرادة على أهميتها لا تكفي وحدها لصنع التغيير الحقيقي خاصة وأن التحديات تعاظمت مع أفق الحرية الوليد،  والتغيير عميق أو لا يكون.
فرغم كل الجهود المبذولة لتطوير المشهد الاعلامي مازالت المسافة طويلة أمامنا لبلوغ ما نصبو إليه كمهنيين وما يتطلع إليه المواطن كشريك في العملية الاتصالية ومستهلك لا يمكن تجاوز رؤاه. ومازال الفاعلون السياسيون أساسا والاقتصاديون والاجتماعيون بعيدين بدورهم عن فهم طبيعة الرسالة الاعلامية ومتطلباتها وحاجتها الحيوية لمناخ تسوده الحرية والاستقلالية والاستقرار. فيما لا تزال الوضعية المادية والاجتماعية لأغلبية العاملين في القطاع متدهورة بحيث تعطل قدراتهم على القيام بعملهم بالشكل الاحترافي المطلوب. كما لا تزال الأطر التشريعية المنظمة للعمل الاعلامي وأساسا المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والمرسوم عدد 116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري معطلة وهو ما انعكس سلبا على تطور القطاع وقدرته على ترشيد عمله والارتقاء بمستواه والتصدي للانفلاتات الحاصلة فيه.
وفي ظل هذا الفراغ تعمل السلط الجديدة المتشكلة على وضع يدها على الاعلام بمختلف الوسائل، بدءا بالتعيينات ووصولا الى استخدام الميليشيات التي تضع أقنعة الثورة للتغطية على حقيقة دور وكيل الاستبداد الذي تلعبه وأجندات التسلط التي تخدمها، خاصة وأن المحرضين على هذا المنهج والطامعين في قطافه لم يصبروا على التخفي وانبروا في أكثر من مناسبة للتحريض على الاعلام وعلى الصحفيين يتبعهم في ذلك الخرقاء والجهلة وأصحاب المطامع والمطامح وثوار ما بعد 14 جانفي 2011 الذين فاتهم ركب الجهاد ضد الاستبداد، ويسعون اليوم للتعويض ببطولات وهمية تثير من الشفقة أكثر مما تثيره من الإنكار والاستهزاء.

*انتصار الحرية

الإعلام في تونس تحرر بعد 14 جانفي 2011 ولا مجال لعودته الى مربع الخضوع السابق. ورغم التحريض السياسي ومحاولات الالتفاف على مكسب الحرية المتحقق بشتى العناوين والأساليب، ورغم عمليات التجييش التي اتخذت أحيانا طابعا مضحكا وصلت حد رفع البعض لشعارات غبية من قبيل «الفقراء يرفضون استقلال القضاء» مثلما  حصل في مواجهة الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها جمعية القضاة التونسيين يوم الخميس المنقضي أمام مقر المجلس التأسيسي، ورغم المال الفاسد الذي يسمّم الساحة الاعلامية وعين القضاء عنه منصرفة، ورغم الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون وخاصة الشبان منهم كلما نزلوا الى الميدان لتغطية حدث ما دون حسيب ولا رادع، ورغم الملاحقات القضائية المفتعلة ورغم الظروف الصعبة؛ رغم ذلك كله يمكننا أن نقول بكل ثقة واقتدار شاهدنا في ذلك النجاح الكبير للإضراب العام التاريخي الذي نفذته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في 17 أكتوبر 2012 بأن الاعلام التونسي ثأر لنفسه من سنوات الأسر الطويلة.
 ورغم كل مواطن الوهن ومنها الكفاءة المهنية التي تحتاج الى مزيد التطوير، يتقدم إعلامنا على الطريق الصحيح، طريق تحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة.. وواهم من يعتقد أن بإمكانه إعادة عقارب الزمن الى الوراء.
الحرية انتصرت بفضل إرادة التحرر ودماء الشهداء، ومطلوب منا الوعي بأن الحفاظ عليها أصعب بكثير من الحصول عليها وبأننا قادرون على النجاح طالما بقينا متيقظين وإرادتنا لا تلين.

المصدر: جريدة "الصحافة"، العدد الصادر يوم الأحد 13 جانفي 2013