lundi 14 novembre 2011

برهوميّات (1) : برهوم الصغير


برهوميّات (1


برهوم الصغير


بقلم زياد الهاني



صديقي ابراهيم الصغيّر الخليفي أو برهوم الصغيّر كما يحلو للمقربين منه تسميته، صحفي قدير وفارس كلمة لا يشق له غبار..

صحيح أنه لا يمكنني تذكّر زميلي برهوم الصغير بمقال متميز يحفظ ذكره. والعتب كله على ذاكرتي وليس على قلم حبره الجاف. لكن لا يمكنني أن أنسى تدخلات برهوم الصغير الدقيقة لإصلاح تاء مربوطة تم فتحها أو ظاد تشال نسي أحد الزملاء عصاها!! أو تمايله مع مسطرته الطويلة وتفننه في إعداد صفحة الجهات التي كان مسؤولا عنها لما تحفل به من أخبار أنشطة السادة الولاة والمسؤولين الجهويين المنوهين أبدا بعبقرية صانع التغيير وأياديه البيضاء على التنمية الجهوية ورعايته الموصولة لأبنائه في المناطق القصية. والتي أوقفها تلقائيا بعد 14 جانفي 2011 تضامنا منه مع الثورة التي انطلقت من الجهات المحرومة التي تغنى برهومنا طويلا بجنّاتها وعذوبة الحياة فيها وليس عذابها مثلما ردده "المناوئون"!!

برهوم الصغير صاحب مواقف ثورية ووقفات مشهودة للدفاع عن حرية الصحافة وعن استقلالية الإعلام العمومي ودوره كمرفق عمومي. صحيح أننا لم نره في أيّ وقفة من وقفات العز والنضال باستثناء مشاركته معنا في حمل الشارة الحمراء يوم 30 جوان 2010 خلال وقفة احتجاجية لم يتخلف فيها أحد، لكن ذلك لا يعني أن الرجل لم يكن معنا بقلبه، وذلك أضعف الإيمان!! وهو صريح لا يخشى في الحق لومة لائم، ويقدّر الأمور حق قدرها!! وهو مع الإدارة ظالمة كانت أو مظلومة!! فإذا كانت مظلومة فهو نصير كل مظلوم، وتلك من شيم الرجولة. وإذا كانت ظالمة فهو في صفها رؤوف بها خشية عليها من ظلمها وحماية لناموسها حتى لا تفسد المؤسسة!! وهو ضد الفوضى حتى وإن كانت تحررية، ومع الانضباط حتى وإن كان مهينا!! وذلك هو السبب المرجح على ما يبدو لتعيينه على رأس الجريدة ليقودها على الطريق الصحيح!! فللثورة دراويشها وللمسؤوليات الإعلامية رجالها!؟

صديقي برهوم الصغير رجل ثبات على المواقف والحق يقال.. فعندما طرحنا ضرورة انتخاب المدير رئيس تحرير جريدة "الصحافة" من قبل مجلس تحريرها حتى يكون سندا له ومعبّرا عن الإرادة المهنية الموضوعية والمحايدة، أبى واستعصى حتى لا تعمّ الفوضى ويستبد بسلطة الحكومة المقدسة من هبّ ودبّ!! لذلك سارع بقبول تعيينه في الموقع دون أن يستشير زملاءه أو يعلمهم!! وأي داع للتحادث معهم والحال أنه لا يعترف بأي درو لهم في القرار داخل المؤسسة الإعلامية!؟ وإحقاقا للحق لم يزغ برهوم عن هذا التوجه حيث أوقف اجتماعات مجلس التحرير المنتخب حتى لا يثقل على أعضائه، ولم يبادر إلى الدعوة إلى تجديده حتى تتوضح الرؤية ربما!؟

وهو يرى نفسه منقذا في موقع إدارة الجريدة التي لم يمانع في وقف صدورها اليومي وتحويلها إلى أسبوعية، بل هو صاحب تضحية في ذلك!! فقد ضحى الرجل بالوقت الثمين الذي كان يصرفه في ضيعته الفلاحية لينفقه على الجريدة. وهو لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا إلاّ ما رحم ربك وهو علاّم بذات الصدور!!

شخصيا لم أر للطف برهوم الصغير مثيلا!! فالرجل لا يتجرأ على توقيع أية وثيقة إدارية قبل أن يوقّع الرئيس المدير العام عليها، رغم كون التسلسل الإداري يفرض عكس ذلك!؟ فحتى لو تقدمنا له بطلب يستوجب متابعة حازمة منه لتحقيقه، لا يمكنه إتيان ما يمكن أن يحسب منه تطاولا على صاحب السيادة والقرار الأعلى منه مرتبة وظيفية. لذلك يحيل الطلب بكل لطف على كاتبة الرئيس المدير العام للنظر وإبداء الرأي، ثم ينتظر بكل شوق ولهفة تليق بجسامة المطلوب الردّ السامي للعمل به!؟

يوم الجمعة المنقضي كنا على موعد مع أربعينية الزميل محمد الهادف فارس الكلمة والصورة الذي أبى إلاّ أن يترجل عن صهوة جواده مبكرا ويسبقنا إلى حيث المآب المحتوم. ونظرا لعطائه الكبير من أجل المهنة الصحفية بشكل عام وجريدة الصحافة بشكل خاص، كان يفترض والحال كذلك أن يحضر برهوم الصغير الذكرى الكبيرة والمهيبة التي جرت في مدينة قفصة مسقط رأس الراحل العزيز بصفته المدير رئيس التحرير والمسؤول الأول عن الجريدة التي عمل فيها المرحوم. لكنه اعتذر بحكم جسامة المسؤولية التي تجعله غير قادر على مغادرة مكتبه، حتى وإن تغيب عن الجريدة يوم السبت لشوون خاصة!؟ ولربما حصل ذلك إشفاقا من فجيعة الفراق ووزر إلقاء خطاب تأبيني مؤثر لا تقدر نفسه الرقيقة والحساسة على تحمل شظاياه!؟

لكن المندوبية الجهوية للثقافة قامت مشكورة بالواجب وأكثر وأطلقت اسم الزميل محمد الهادف على قاعة الاجتماعات الكبرى بدار الثقافة ابن منظور. ولم تكن في حاجة للتشرف بحضور مسؤولي جريدة الصحافة الذين تغيبوا عن المناسبة حتى تقوم بذلك. والحاضرون من زملاء الهادف في الجريدة الذين حملوا لعائلته وأهله تحيات كل العاملين في المؤسسة من صحفيين وتقنيين وعاملين مع خالص محبتهم وتقديرهم كان كافيا وزيادة. وزاد الحفل التأبيني بهاء حضور عدد من قادة الإعلام الإفريقي وإلقائهم كلمات تأبينية بهذه المناسبة تقديرا منهم للهادف وللمساته الإفريقية المميزة.

سألني أحدهم مرة وأنا المتيم بالمطربة نجاة الصغيرة عن سبب التمسك بتسميتها بالصغيرة وهي الكبيرة سنّا وفنّا؟ رأيت وجاهة في سؤاله لكني مع ذلك أجبت بأن السر قد يكمن في عذوبتها التي تجعلها لا تشيخ مع الزمن وتحتفظ بروحها الشابة ذات المشاعر الخالدة. أما لو سألتموني عن سر بقاء إبراهيم الصغير صغيرا حتى وإن أصبح هو المدير رئيس التحرير في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلادنا وفي مسار إعادة بناء منظومتنا الإعلامية الوطنية بما يكفل منع عودة استغلالها كبوق للدعاية والتزييف، فأصدقكم القول بأنه لا جواب عندي!؟